"تحصين" 30 يونيو

05 ديسمبر 2014

مركبات تابعة للجيش المصري على طرق القاهرة (27نوفمبر/2014/Getty)

+ الخط -

في عام 1980، أوصى الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، بإصدار قانون "حماية القيم من العيب"، الشهير بقانون "العيب"، وهو الذي أثار ضجة واسعة، آنذاك، بسبب أنه كان "بدعة" جديدة من "بدع" الرئيس السادات، هدفها إسكات المعارضين والمخالفين، بمعاقبتهم قانونياً، ومحاسبتهم على ما يقولون، وليس فقط ما يفعلون. وقيل، وقتها، إن السادات كان يحاول حماية القيم الأسرية والمجتمعية من التدهور والانحدار (تذّكر أن هذا كان فى بداية الثمانينات، قبل ظهور الإنترنت، أو ظهور الفيديو كليب الذي قلب الأخلاق رأساً على عقب). ولكن، رأى بعضهم أن القانون هو محاولة لفرض الوصاية السياسية على المجتمع، والتحكّم في ما يفكر أو يقول. وقد استمر ذلك القانون "المعيب"، حتى تم إلغاؤه عام 2008، بعد أن أصبح من مخلّفات الحقبة الساداتية.

قبل يومين، تواردت تقارير عن نية الجنرال عبد الفتاح السيسي إصدار قانون يجرّم "إهانة ثورتي 25 يناير و30 يونيو"، في محاولة متأخرة وخجولة من الجنرال، لحفظ ماء وجهه أمام حلفائه الذين يتساقطون يوماً بعد آخر، وذلك بعد الهجوم المكثف من المنصات الإعلامية لـ"30 يونيو" ضد ثورة "25 يناير" التي يتعاطون معها كما لو كانت "ذبيحة" ليس لها صاحب. دعك من أن الجنرال كان من أوائل الذين سعوا إلى إجهاض ثورة يناير، سواء في هجوم رجاله على المتظاهرين، في مناسبات متعددة، أو من خلال "كشوف العذرية" التي أشرف عليها، وقت أن كان مديراً للمخابرات الحربية. ودعك من أن وصوله إلى السلطة هو، بحد ذاته، المقابل السياسي والعملي لثورة 25 يناير، كونه جاء من خلال ثورة مضادة مكتملة الأركان، فما يهمنا محاولته وضع كلا الثورتين في كفة واحدة، على الرغم من أنهما ليستا فقط متضادتين وتسيران في طريق عكسي، وإنما، أيضاً، لأن الثانية لم، ولن تكون، ثورة، وإنما انقلاب دُبّر بليل.

لم يتحرك السيسي، حين تفاخر أحدهم بإذاعة مكالمات شخصية لشباب الثورة، من دون إذن قانوني، أو سند دستوري، منتهكاً كل الأعراف المهنية والأخلاقية، ولم يتحرك حين امتهن بعضهم الثورة، وأطلق عليها كل الأوصاف البذيئة، من أجل تنفير الناس منها، وممّن يرتبط بها. ولم يتحرك حين نعتها الإعلام الموالي له، مرة، بأنها "كارثة"، ومرة أخرى بأنها "مؤامرة" كونية، شاركت فيها كل قوى "الشر" التي يعد التقاؤها معاً ضرباً من الخيال (أميركا وإيران وإسرائيل وحماس وقطر وتركيا)، ولم يتحرك. وهناك، الآن، من الكتّاب مَن لا يهدأ له بال إلا بلعن "ثورة يناير"، في كل حرف، وكل كلمة يكتبها، وسبّ شبابها، مرة بالمرتزقة، وأخرى بالخيانة والعِمالة.

ليس هدف قرار الجنرال، كما يدّعي، حماية ثورة "يناير" من الإهانة، فهو أول مَن أهانها، بما ارتكبه، ولا يزال، من جرائم ضد شبابها وقيمها ومطالبها، وإنما محاولة لتحصين مؤامرة "30 يونيو"، ووضعها على قدم المساواة مع ثورة 25 يناير المجيدة. كما أنها محاولة لامتصاص حالة الغضب والغليان التي سيطرت على الشارع المصري، بعد إعلان براءة الرئيس المخلوع، حسني مبارك، ووزير داخليته، حبيب العادلي، ومساعديه، والتي استغلها فلول مبارك للهجوم على ثورة يناير، والإساءة لشبابها، وكل مَن يرتبط بها.

وقد فات على الجنرال أن ثورة "25 يناير" ليست فى حاجة لمَن يحميها، لأنها حاضرة وبقوة في وجدان كل مواطن مصري شريف، صرخ بقوة فى وجه الظلم والطغيان. كما فات عليه أن "ثورة يناير" ليست في حاجة إلى تحصين، أو حمايتها بقانون، فمَن لا يعرف قيمتها ويحترمها هو قطعاً من الذين يبحثون عن غطاءٍ يدارون به عوراتهم الأخلاقية التي تكشّفت في 30 يونيو.

A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".