"بوليتيكو" في حلّة أوروبية: أميركا تهجم إعلامياً

"بوليتيكو" في حلّة أوروبية: أميركا تهجم إعلامياً

22 مارس 2015
ستطبع "بوليتيكو" 30 ألف نسخة من مطبوعتها الأوروبيّة (GETTY)
+ الخط -
تميل وسائل الإعلام الأميركيّة أو الأوروبيّة إلى فتح أسواق لها خارج بلدانها الأمّ. ويبدو أنّ مجلة "بوليتيكو" الأميركّية تسير على نفس خطّ "هافينغتون بوست" وغيرها، لكنّها قرّرت التوسع أوروبياً. ففي بيان صحافي جاء بمثابة عرض عضلات إعلاميّة، أعلن الموقع الإخباري عن إطلاق موقعه الأوروبي الشهر المقبل. ما كان لافتًا هو لهجة التحدي التي حملها البيان، حيث قال: "في الساعة الثانية عشرة ودقيقة واحدة من نهار 21 نيسان/أبريل المقبل، سوف تضمّ "بوليتيكو" في واشنطن وبروكسل - اثنين من أكبر عواصم القرار السياسية والإدارية - كادراً صحافياً لا مثيل ولا وزن له في أي مكان آخر".

أسماء رنانة وفريق عمل مميز

في عرض مفصّل لطبيعة العمل الذي سينتهجه الموقع الأوروبي، ذكر بيان "بوليتيكو" أنّ الخطوة جاءت استنساخاً لما تقوم به الصحيفة في الولايات المتحدة الأميركية، إذ يضمّ فريق عملها في وشنطن ما يقارب 300 صحافي ومراسل.

[إقرأ أيضاً: الإعلام الغربي الذي أذهلته تونس]

مع أكثر من 40 صحافياً، ستنطلق النسخة الأوروبيّة من "بوليتيكو" في 21 أبريل/نيسان، على الشبكة، على أن تصدر النسخة المطبوعة منها في الثالث والعشرين من الشهر المقبل. ومن المتوقع أن يكون عدد الصحافيين العاملين في النسخة الأوروبيّة 70. وسيضم فريق العمل أسماء معروفة في عالم الصحافة والإعلام سيتوزعون على عواصم أوروبية أبرزها بروكسل، باريس، لندن وموسكو. ويأتي في مقدمتهم ريان هيث المستشار السابق لرئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو، كالينا كاروشاكوف الصحافية السابقة لوكالة "رويترز" ومديرة قسم الزبائن في "جي بلوس أوروب" ( Gplus Europe)، جاكوبو باريغازي الصحافي الإيطالي اللامع ومؤسس الموقع الإلكتروني "لينكيستا" (Linkiesta)، نيكولا فينوكور المراسل الأميركي-السويدي الذي نشأ في "رويترز" والذي سيتولى إدارة مكتب "بوليتيكو" في باريس برفقة الاقتصادي الفرنسي من أصل تونسي بيار بريانسون، الذي تولى لسنوات إدارة القسم الاقتصادي في صحيفة "ليبراسيون" وله مساهمات اقتصادية دورية في "الغارديان" و"لوموند". ولا يمكن المرور على تلك الأسماء دون ذكر تارا بالميري (نيويورك بوست) وكريغ وينيكير (وول ستريت جورنال) وتانكو ڤارادارجان (نيوزويك ووول ستريت جورنال).


واعتبر رئيس تحرير "بوليتيكو" وأحد مؤسسيها، جون هاريس، أنّ "التوسّع إلى أوروبا هو أكبر مشروع لدى "بوليتيكو" الآن". وأضاف في حديث نقلته عنه "الغارديان": "لا أستطيع أن أتوقع أننا بعد سنة سنكون من المسيطرين على السوق الإعلامي في أوروبا، ولكنّنا سنكون بالتأكيد من اللاعبين الأساسيين".

باريس مجدداً

بعد "الهافنغتون بوست" وبازفيد (Buzzfeed) ها هو "بوليتيكو" يفتتح مكتبه في العاصمة الفرنسية باريس. في حوار أجرته "لونوفيل أوبسرفتر" مع مدير المكتب الباريسي بيار بريانسون، قال: "على عكس شبكة Fox News التي ترى في باريس مدينة غير آمنة، هنالك الكثير من المواقع الإلكترونية والصحف التي قررت أن تتخذ باريس ساحة لتشابك الإعلامَين الأميركي والفرنكوفوني و"بوليتيكو" سيصبح واحداً من هذه المواقع".
أما فرانسواز لوجيه مديرة التحرير في IREC (المجلة الأوروبية المختصة برصد قضايا الإعلام في أوروبا والعالم) فقد غرّدت على "تويتر" قائلةً: "ليس من باب الصدف أن يختار موقع أميركي مشهور كـ "بوليتيكو" ساحات أوروبية للتوسع الإعلامي، السؤال ليس اقتصادياً فقط، هنالك أسباب أبعد من ذلك".
ويُعيد مراقبون قرار "بوليتيكو" والمواقع الأميركية الاخرى في التمركز في أوروبا، لا سيما باريس إلى أسباب عديدة تتراوح بين الشخصي والمغامرة، وأبعاد اللغة وجمالية التنافس الإعلامي في أوروبا. وفي حوار أجرته معه 20Minutes قال ماتيو كامنسكي مدير Politico Europe إنّ "خطوة إطلاق موقع أوروبي أمر طبيعي جداً. كنتُ مقيماً في باريس لمدة ست سنوات، أولادي نشأوا هنا واكتسبوا اللغة. أعرف صحافيين شباباً هنا قادرين على إحداث نقلة نوعية وإعطاء صورة مميزة عن الموقع الجديد".





ويرى بول أكرمان، مدير التحرير في "الهافنغتون بوست" أنّ باريس تأتي في مقدمة العواصم التي تقدّم نموذجاً مميزاً عن الصحافة المكتوبة: "ميديا بارت، ليبراسيون ولوموند يتابعها الأميركيون وللصحافة الفرنسية هالة كبيرة؛ نظراً للفارق الإيجابي التي تقدمه في العرض والاستقصاء والتحقيق، إضافةً الى الأسماء اللامعة في فضاء الإعلام الفرنسي. هنا التنافس أكثر جمالية من أي مكان آخر. أعتقد أنّ بوليتيكو ستضيف نكهة تنافسية مميزة".

موديل اقتصادي ربحي

لا شك أنّ التحدي الأكبر لـ "بوليتيكو" سيتمثّل في كيفية تحويل الوسائل الضخمة التي يمتلكها إلى نجاح اقتصادي، خاصة بعد الشراكة القوية مع المجموعة الإعلامية "اكسل سبرينغر" (Axel Springer).
"بوليتيكو" التي لا تنشر أرباحها، تعود الحصة الأكبر من عائداتها من بيع نسخها الورقية إضافةً إلى عدد كبير من المشتركين سنوياً، عدا عن الإعلانات التي يتم إدراجها بشكل دوري بين الرسائل الإخبارية دون أن ننسى الأعداد التي توزّع مجاناً في مراكز السلطة الأميركية.
وبناءً على هذا النموذج، سيتم طباعة أكثر من 30 ألف نسخة في أوروبا يومياً في بروكسل والعواصم الأخرى. وقد أعلن الموقع الأميركي أنّ حفل الإطلاق سيتم في العاصمة البلجيكية في 23 من الشهر المقبل، بحضور رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك، الأمين العام لحلف الناتو ينس ستالنبرغ والمفوض الأوروبي المسؤول عن سوق الوحدة الرقمية أندروس انسيب وعدد من قادة الدول الكبرى.

السياسة التحريريّة محطّ سؤال

على مدى سبع سنوات، حاولت "بوليتيكو" أن تتجاوز عقبات الصحافة الأميركية المكتوبة، خاصةً بعد الأزمة الاقتصادية التي طاولت صحفاً كبيرة مثل "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز". الصحيفة التي ركّزت اهتمامها على المواضيع الداخلية الأميركية، لا سيّما الانتخابات الرئاسية، وكل ما يتعلق بالبيت الأبيض والكونغرس، تجد نفسها منذ فترة ساحة لتمرير الرسائل من جماعات الضغط واللوبي، لذلك كانت السياسة التحريرية للجريدة دائمة الارتباط بالتزامات الإدارة الأميركية وخطها السياسي والاقتصادي. وهنا يتساءل مراقبون عن مدى وحجم التبعية إذا ما وجدت بين النسختين الأميركية والأوروبية.

[إقرأ أيضاً: "هافنغتون بوست" يجذب التونسيين]


والحال أنّ بوليتيكو الأوروبية ستشكّل خطوة جديدة للولايات المتحدة الأميركية، لإثبات قدرتها على تجيير قوتها الاقتصادية الضخمة في سبيل تشابك إعلامي أكبر. وفي تعليقه حول سؤال صحيفة "ليبراسيون" الهزلي عما إذا كانت "بوليتيكو" ستحول أوروبا ساحة لاستكمال السلسلة الأميركية "هاوس أوف كاردز"، ردّ باتريك بريانسون: "ولم لا؟ الحلم مسموح للجميع".