"بنوك البويضات"

"بنوك البويضات"

03 سبتمبر 2019
+ الخط -
منذ أيام قليلة، ذكرتني صديقة عزيزة ببوست نشرته على صفحتها الشخصية في فيسبوك، وطلبت مني أن أكتب عن الموضوع الذي نشرته بصفحتها، كان البوست عبارة عن خبر نشره أحد المواقع المصرية، عن قيام أول فتاة مصرية بـ"تجميد بويضاتها"؛ تحسّبا لتأخر زواجها بعد الثلاثين وفقد القدرة على الإنجاب.

وكان أكثر ما لفت نظري عندما قرأت التعليقات على بوست صديقتي؛ تعليقاً من إحدى السيدات، تتساءل فيه: هل معنى ذلك أن الدورة الشهرية لن تحدث إذا قمنا بتجميد البويضات؟

ورغم سخرية الكثير من هذا التعليق! إلا أنه أثار في نفسي شعوراً بالأسى والحزن والشفقة، فنحن بنات حواء، نعاني كل شهر من آلام مجهولة، ومشاعر مضطربة وبكاء وحزن عميق، من دون سبب، ومن دون أن نفهم نحن أصلا! "ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض" .. قرآن كريم.

أما عن تجميد البويضات والحفاظ عليها لاستخدامها في وقت لاحق، فهي وسيلة معروفة يستخدمها الغرب من أواخر تسعينيات القرن الماضي -وقد يكون من قبلها بقليل-. والغرض الأساسي من هذه الفكرة، هو إعطاء الفرصة للسيدات اللاتي يرغبن بالحمل وأصابتهن بعض الأمراض أو المشكلات الصحية، التي تمنع الحمل بشكل طبيعي في وقت ما. مثل السيدات المصابات بأورام سرطانية تضطرهن لتناول علاج كيماوي أو إشعاعي. وهو ما يؤثر بدوره على الخصوبة عند السيدات. وانتشر في الغرب أيضا، أن تقوم إحدى السيدات بالتبرع ببويضاتها، لأخريات يعانين من نقص الخصوبة.


أتذكر جيدا وأنا في السنة الخامسة بكلية الطب؛ الدكتور أسامة محمود أستاذ الباطنة بطب عين شمس، وهو يقول لنا نحن الطبيبات؛ "إلحقي يا دكتورة منك ليها آخر بويضة، واتجوزي وسيبك من الماجستير والدكتوراه قبل ما يفوت الآوان"!.

تذكر الفتاة المصرية التي جمدت بويضاتها، أن سبب إقدامها على هذه الخطوة؛ هو خوفها من فقدان القدرة على الإنجاب لأنها قررت تأخير زواجها لما بعد الثلاثين، كما أنه، وبشكل عام، تأخر سن الزواج في مصر بسبب الصعوبات الاقتصادية.

ولدتني أمي وهي بعمر 42، ليس لأنها تزوجت في سن متأخرة، أمي تزوجت وهي بعمر السادسة أو السابعة عشرة، لكنها ظلت تنجب حتى السادسة والأربعين من عمرها! كبرت بين عشرة إخوة، خمسة ذكور وخمس إناث. وترتيبي هو التاسع في العموم والخامسة بين البنات، فروق السن بين الأخ والذي يليه من ثلاث إلى أربع سنوات، بيني وبين أخي الأكبر 22 سنة. وبيني وبين أمي 42 سنة!

ظل هذا الفارق العمري بيني وبين أبويّ، جدارا عازلا، يمنعني من التواصل بشكل طبيعي معهما، لم أكن تلك الطفلة الطبيعية التي تحظى بالحب والحنان من والديها، بالطبع كانا يرعياني ماديا وتربويا، لكني أقصد المشاعر والحب والحنان والحضن، لم يكن هناك وقت أو جهد لمنحي هذا العطف والحب، في الوقت الذي كنت أحتاجه.. مات أبي ولم أحظَ بصحبته الحميمة إلا في عامه الأخير على الأرض.

حين تقوم السيدة بتجميد بويضاتها، فإنها تمر بعدة مراحل:
الأولى: إعطاءها أدوية محفزة للتبويض مع متابعة عملية التبويض بالسونار المهبلي.
الثانية: هي أخذ هذه البويضات بواسطة إبرة وباستخدام السونار المهبلي في الوقت نفسه.
الثالثة: هي الاحتفاظ بالبويضات المأخوذة في "فريزر" معد خصيصا لحفظ البويضات.

في مصر وفي غالب العالم العربي والإسلامي، لا تستطيع فتاة عذراء أن تخضع لسونار مهبلي، لأنه سوف يفقدها عذريتها، وهو ما لن ترضاه الفتيات ولن يرضاه المجتمع بالطبع! لذلك أجرى الطبيب عملية أخذ البويضات المحفزة من الفتاة المصرية، بجراحة منظار بطن، حتى لا يمس "تابوه البكارة".

كثير من المتزوجات في مصر من اللاتي حرمن الحمل بشكل طبيعي لأسباب طبية، مثل، التصاقات بقناة فالوب أو عيوب خلقية تمنع الإخصاب بشكل طبيعي، يلجأن للتلقيح الاصطناعي خارج الرحم، بنفس طريقة تجميد البويضات التي ذكرتها. حيث يتم تلقيح البويضات المحفزة بحيوانات منوية من زوجها -عن طريق الاستمناء- في أنبوب. وتتم متابعته حتى يحدث التلقيح الصناعي بشكل كامل، وتؤخذ البويضة المخصبة خارجيا وتحقن في رحم الأم، وتخوض رحلة 9 أشهر بشكل طبيعي بعدها.

نسبة نجاح التلقيح الصناعي من 30% إلى 60%. وإذا حدث، ففي الغالب يحدث حمل بتوأم نتيجة استخدام أدوية تحفيز التبويض. وتعلم الفتاة المصرية التي جمدت بويضاتها هذه المعلومات تماما، فلا يوجد ضامن لحدوث الحمل بالتلقيح الصناعي، "يعني هي ونصيبها!".

ناهيك عن تكلفة عملية تجميد البويضات ثم تكلفة التلقيح الصناعي بعد عمر طويل أو قصير، فإن أهم سبب لتأخر سن الزواج في مصر، هو المشكلات المادية والظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد والعباد!

عمري الآن 37 عاما.. لا أعلم هل سأتزوج يوما ما أم لا؟!.. لكنّ ما أعرفه جيدا، أني كنت أتمنى الإنجاب في العشرينيات من عمري، حتى أستمتع بصحبة طفلي وأعطيه من حبي وحناني وعطفي ما يكفيه شرور الحرمان ويؤنسه طول العمر.

لا أريد أن أنسى السيدة التي تساءلت عن الدورة الشهرية بعد تجميد البويضات، اطمئني عزيزتي، سوف يصيبك الأذى كل شهر بشكل طبيعي!

دلالات

251BF2B4-886D-440F-9595-DB5734219745
شيماء سيف الدين

خريجة كلية الطب جامعة عين شمس (2005). حاصلة على ماجستير الجراحة العامة (2009). تخصص جراحة الحروق والتجميل والإصلاح. وأكتب مقالات طبية.