"بلحة" رامي عصام: إهانة الفنّ والمعارضة معاً

"بلحة" رامي عصام: إهانة الفنّ والمعارضة معاً

01 مارس 2018
رامي عصام في ميدان التحرير (Getty)
+ الخط -
يوماً ما كان رامي عصام متصالحاً مع ذاته، وشديد المباشرة، تماماً كأغنياته. فأطلق اسم "منشورات" على ألبومه الذي صدر بعد عام واحد من ثورة 25 يناير. وهي الثورة التي عرفه المصريون من خلالها.
بدأ رامي بتقديم فقرة، وسط الهتافات والبيانات الثورية التي يلقيها رموز القوى السياسية في وجه المعتصمين طوال 18 يوماً في التحرير. يعيد هذه الهتافات بلحن مكرر وبصوته الذي ربما لم يتح الضجيج وسوء حال مكبرات الصوت حينها فرصة لتبيّن مدى سوئه أو تواضعه في أكثر التقديرات تفاؤلاً.
عند هذه النقطة توقف رامي عصام، ولم يتطور فنياً، كما أنه لم يطوّر المنتج الفني الذي يقدّمه: لا الموسيقى ولا الكلمات ولا الشكل الذي يتعامل به مع مشروعه الفني، مكتفياً بكثافة ظهوره على الفضائيات في مرحلة كان فيها "شباب الثورة" نجوم الإعلام المصري.
ألقي القبض على الفنان الشاب في واحدة من التظاهرات التي تلت تنحّي الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك، وقت حكم المجلس العسكري، وتم تعذيبه بعنف في السجن. ولاحقاً حين ضاقت مصر بهؤلاء الشباب تركها وانتقل للعيش في الخارج، السويد تحديداً، وهي نقطة يعتبرها مؤيدو السلطة عاملاً ينتقص من قيمة فنه. وهي طبعاً مقاربة مجافية للواقع نظراً إلى أن القبض عليه لو بقي في مصر أمر محسوم.
ومنذ بدء رحلته مع الغربة في السويد، بحث رامي عصام عن عودة فنية قوية، فيغني عن البلد الذي تركه "وبلادي اللي أنا أصلاً منها بايعاني وبتطلع عيني" فلا يهتم أحد. ثمّ يستخدم ألفاظاً ومصطلحات هجائية، مستبدلاً الغيتار بالعود في محاولة يائسة لإحياء نموذج الشيخ إمام، ومجدداً من دون جدوى.
الافتعال وتكرار المعاني والأفكار كان واضحاً في الكلمات التي تتحدث عن ريحة الفول والطعمية، بينما صاحبها جالس وسط الثلوج الاسكندينافية. اغتراب عن الواقع عرف حمزة نمرة مثلاً كيف يتفاداه، فغنى من الخارج أيضاً عن نفس المشاعر والمعاني فلاقت أغنياته تفاعلاً وانتشاراً غير مسبوق وفي أوساط أوسع من جمهوره المعتاد.
بعدها أطلق رامي أغنية أخرى باسم أشد ركاكة وهو "رسالة إلى مجلس أمن الأمم المتحدة" اختارها بالفصحى، ورغم أنها شكّلت مادة جيدة للسخرية من طريقة نطقه وسطحية كلمات العمل، إلا أن أحداً لم يهتم بها أيضاً. وهي القاعدة التي انكسرت مع أغنيته الأخيرة التي صدرت قبل أيام.

اختار عصام أن تكون محاولته الجديدة للعودة باسم "بلحة"، وهو اللقب الذي يستخدمه المعارضون في الإشارة لعبد الفتاح السيسي، بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية المحسومة. ولو تركنا انتقادات المؤيدين لمظهر المغني الشاب الخارجي في فيديو الأغنية الأخيرة، سنجد كلمات العمل أقرب إلى كشف حساب سطحي يصلح كمنشور على فيسبوك لا أغنية أو عمل فني.
كثيرون اعتبروا الأغنية فعلاً معارضاً بحد ذاته وإن كان مستواها رديئاً، بل قارنوا جدواها بأثر تصريحات الرموز المعارضة عن المشهد الراهن، وهي أزمة كاشفة لواقع السياسة والفن في مصر الحالية. فلا هذا فن، ولا تلك سياسة. وليس هذا الفيديو أكثر من مقطع رديء المستوى مسيء للفن وللمعارضة المصرية في آن واحد.
الأزمة ليست طبعاً بوجود رامي عصام في السويد، أو بكونه يرتدي فرواً، وهو يغني "بلحة"، ولا حتى في كونه يقرن نفسه بثورة مهزومة ومحاصرة. مواطن الخلل والفشل في مشروعه كامنة في محدودية مستواه، وتصديقه أن تصفيق المنتشين في الميدان كان لأغنياته وصوته وليس للهتافات التي يعيد تلحينها وغناءها.
ما يؤكد ذلك أن ظهور رامي عصام، صاحَبَ موجةً، اكتشف كثيرون خلالها أغنيات فريق اسكندريلا، وتضاعفت شهرة فريق كايروكي ووصل الأمر إلى رفض الرقابة لألبومهم الأخير، وإلغاء الأمن المتكرر لحفلاتهم، وتحول ياسر المناوهلي إلى وجه معروف رغم أن أغنياته سياسية صرفة. لكن النماذج الثلاثة المذكورة أعلاه حققت انتشاراً ورصيداً كبيراً، لأن ما قدّمته من أغان نفّذ بإتقان فنيّ، فلم تتحول إلى منشورات تبحث عن جمهور متعطش للهجاء والهتاف أكثر من الفن.


المساهمون