"بلا ضغط"... سرديّة الوداع الأخير

"بلا ضغط"... سرديّة الوداع الأخير

03 اغسطس 2020
ألبوم يضم أفكارا لاذعة تجاه القيم والأفكار الأميركية حكومة وشعباً (هارموني غيربر/ Getty)
+ الخط -

قبل أيام، أطلق مغنّي الراب الأميركي، لوجيك، ألبومه الغنائي السادس والأخير NO PRESSURE الذي يعدّ استكمالًا لألبومه UNDER PRESSURE الصادر عام 2014، والذي احتل حينها المركز الرابع في ترتيب الألبومات الأميركية وفق تصنيف مجلة "بيلبورد".

يضمر هذا الألبوم الذي يشمل خمس عشرة أغنية رسائل عديدة ذات نبرة وداعيّة ظاهرة، يوضح من خلالها لوجيك أسبابه الخاصة لاتخاذه قرار الاعتزال، وإنهاء مسيرته الغنائية بالاعتماد على أسلوب "الراب" البديل و"الميد ويست راب" و"البوب راب". اللهجة التي يستخدمها لوجيك في غنائه، وإن كانت مُتشابهة مع معظم إصداراته السابقة، تميزت بقوالبها الشعرية والرمزية الممزوجة بالخطابة. كما أنها تنمُّ في معظمها عن شعور شخصي لا يتصل فقط بالتعريف الشكلي والمجرد الخاص بـ"الراب"، بل تتجاوزها لتصف حالات ذهنية وعاطفية تعكس نتائج ما مرّ به طوال فترة عمله كرابر، باتباع تقنيّة غنائية بوتيرة أقل من تلك التي يتميز بها أسلوب "الشوبرز" وأعلى من أسلوب "الفونك".

نلاحظ في المسار الموضوعي للأغاني ازدواجية على مستوى المقاطع الصوتية، إذ تُسجَّل أكثر من نسق إيقاعي في الأغنية الواحدة كأغنية A2Z مع الحفاظ على إقحام أصوات أنثوية تقترن بالألحان، وتصبح جزءًا منها، وتسمحُ بمنح شعور هادئ يليّن الأداء الغنائي الهجومي للوجيك، مثل أغنية SOUL FOUD2 التي تُعدُّ استكمالًا أو تجربة مختلفة لنفس الأغنية التي ضمها ألبومه السابق "إندر بريجر" من حيث اللحن والإيقاعات ضمن قالب شعري مختلف، من حيث الشكل وموازٍ من حيث الهدف. وإن كان لوجيك حاول أن يهتف لفن الراب ويدافع عنه كما في أغنية OPEN MIC وCELEBRATION إلا أن ذلك لم يمنعه من التعبير عن سخطه وازدرائه من النجاح الذي عاد عليه بمزيد من مشاعر الإحباط والاستياء. مؤكدًا أنّ السعادة لا تقترن بالمال والشهرة، فالشهرة مُجرّد نقمة انعكسَت آثارها على حياته الأسريّة ومبادئه وتطلعاته في ظل نظام اجتماعي أصبح مشوهًا، وهو ما نجده بين مقاطع DADBOD وGP4، مما سمح لنفسه في 5 HOOKS أن يعلن عن انسحابه من عالم الغناء بلغة شعرية جميلة، يقول فيها: "كنت أطير قبل الشهرة، قبل أن أتمكن من شراء طائرة".

يتصالح لوجيك مع قراره الاعتزال من خلال أغنية Man I IS التي اعتمدت على إيقاعات الجاز الساحرة بشكل مختلف عن باقي "ثيمات" الألبوم الموسيقية، مما سمح بتدفق حسي ملائم بين أداء لوجيك الغنائي ورسالته. ولينتقل بعد ذلك إلى مرحلة التحرر وتأهبه للمرحلة المقبلة من حياته في AMEN، ولعل استخدامه أسلوباً غنائيّاً مختلفاً، يعرف في فن "الراب" بـ FLOW تنسجم معه بعض الألحان الراقصة الممزوجة بنمط "البوب راب"، هو خيرُ دليلٍ على انسحابه من الحالة السلبية التي وصمَت معظم أغاني الألبوم.

يختتم لوجيك ألبومه بأغنية OBEDIENTLE YOURS والتي يمكن اعتبارها رسالة خطابية شبيهة بالخطاب الشهير للراحل تشارلي شابلن في فيلمه "الديكتاتور العظيم". لكن يغيب لوجيك هذه المرة عن الأداء ويستعيض عن ذلك بإقحام تسجيل صوتي فقط، أضفى على الأغنية لمسة كلاسيكية، مهَّد لها من خلال مطلع الأغنية المفتاحية التي حملت عنوان الألبوم NO PRESSURE، لتظهر للمستمع انطباعات درامية خاصة شبيهة بالأعمال السينمائية. فحملت هاتان الأغنيتان تعابير ازدواجية، منها لاذعة وقادحة تجاه القيم والأفكار الأميركيّة حكومة وشعبًا، ومنها مسهبة بالإنسانية والرقي يسمو من خلالها نحو "الأخوة العظيمة"، ومحاربة ونبذ الكراهية والعنصرية، إذْ يقول: "الرجل السليم مدين للمرضى بكل ما يستطيع أن يفعله لهم. الرجل المتعلم مدين للجاهل بكل ما يستطيع أن يفعله لهم، الإنسان الحر مدين لعبيد العالم بكل ما يستطيع أن يفعله لهم".

دلالات

المساهمون