"بشائر الشاهد" لعلاج الأزمة الاقتصادية تقلق التونسيين

"بشائر الشاهد" لعلاج الأزمة الاقتصادية تقلق التونسيين

31 اغسطس 2016
التونسيون يتحسبون لإجراءات تقشفية جديدة (فرانس برس)
+ الخط -
لم يفصح رئيس الحكومة التونسية الجديد يوسف الشاهد، عن الإجراءات العاجلة التي سيتخذها لإنقاذ الاقتصاد، مفضلا المرور مباشرة إلى زف بشرى تفادي السنوات العجاف التي تنتظر التونسيين في حال قررت حكومته تطبيق سياسة التقشف للمحافظة على التوازنات المالية للبلاد.
الشاهد الذي قال في خطابه الأول أمام البرلمان: "إذا استمر الوضع هكذا سنكون مجبرين في العام 2017 على اتباع سياسة تقشف وتسريح آلاف الموظفين وزيادة الضرائب وخفض الإنفاق"، غفل وفق المراقبين، عن كشف البرنامج الاقتصادي لحكومته أو البدائل التي سيطرحها لتفادي إي إجراء مؤلم يتحمل عموم التونسيين أعباءه.
وفجرت بشائر رئيس الحكومة الجديد جدلا واسعا لدى عموم التونسيين، ممن يبدون تخوفا من أن تدهسهم آلة الإصلاحات، فيما بخر حديث الشاهد عن وقف الانتدابات في الوظيفة الحكومية آخر آمال الشباب العاطل عن العمل في فرص شغل ضمن الانتدابات التي سبق أن وعدت بها الدولة.
وتنتقد نائبة التيار الديمقراطي بالبرلمان سامية عبو، إجراءات التقشف التي تنوي الحكومة الجديدة تطبيقها، مشيرة إلى أن الحكومات التي تعاقبت تسلط سياطها على الحلقة الأضعف في المجتمع، في الوقت الذي كان بإمكانها جني آلاف المليارات من تتبع الفاسدين والمتهربين من الضرائب.
وقالت عبو في تصريح لـ "العربي الجديد"، إنه كان الأجدر برئيس الحكومة وضع برنامج عاجل لإتمام السنة الحالية دون الكم الكبير من الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد، عبر بحث حلول مجدية لأزمة الفوسفات، غير أنه اختار سلك الطريق الأسهل وفق تقديرها، معتبرة أن الطريق التي ارتأى رئيس الحكومة التوجه نحوها مفخخة ويمكن أن تنفجر ألغامها في وجهه بأية لحظة، بعد أن استبد الظلم بالطبقات التي كانت ترفع شعار الشغل والكرامة.
وسارع رئيس الحكومة مباشرة إثر تسلمه مقاليد الحكم أول من أمس الاثنين، إلى دعوة نواب البرلمان عن محافظة قفصة المنتجة للفوسفات في محاولة لإيجاد حلول ترضي جميع الأطراف والإسراع بإنهاء الاحتجاجات التي أدت إلى شلل شبه تام في منطقة الحوض المنجمي، مما أدى إلى خسارة البلاد لأكثر من 60% من إنتاجها السنوي من أحد أهم الموارد الطبيعية المدرة للعملة الصعبة في تونس.

وعبر عضو البرلمان عمار عمروسية، عن استعداد نواب الجهة لمساعدة الحكومة على إيجاد حل لأزمة الفوسفات، شرط تعهدها بتخصيص ما لا يقل عن 20% من عائدات شركة فوسفات قفصة لفائدة التنمية في الجهة، مشددا على حق المحافظة في جزء من عائدات المناجم حتى لا يكون للأهالي فقط نصيب في التلوث وتصحر التربة.
وبالإضافة إلى التعجيل بحلحلة أزمة الفوسفات، يطالب نواب البرلمان بفتح ملف المؤسسات المصادرة وتوضيح موقف الحكومة من المصالحة الاقتصادية مع رجال الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، فضلا عن كشف العائدات المرتقبة من هذه المصالحة، منتقدين غياب الشفافية في التعامل مع هذا الملف الذي تحول إلى أداة للسمسرة الحزبية.
ويعتقد الرئيس الشرفي لهيئة الخبراء المحاسبين فيصل دربال، أن تخصيص المؤسسات المصادرة يمكن أن يوفر عائدات جيدة لخزينة الدولة، مشيرا إلى أن الاسراع في الخصخصة سيقلص من عجز الموازنة.
وقال دربال في تصريحات إعلامية، إن التوقعات تشير إلى أن العجز في ميزانية الدولة للعام الجاري 2016، سيصل في نهاية العام الجاري إلى حدود 6.5%.
وأوضح في المقابل أنّ الموارد الذاتية للدولة ستشهد تراجعا ملحوظا بما يستدعي ضرورة توفير تمويل إضافي للميزانية يتراوح بين 2.5 و2.9 مليار دينار (بين 1.25 و1.45 مليار دولار).


واقترح دربال الإسراع في خصخصة الأملاك المصادرة وكذا بعض الشركات العمومية المتعثرة. وتعمل النقابات العمالية على تبديد الخوف المتمكن من التونسيين عقب تصريحات رئيس الحكومة، حيث أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل في بيان رسمي أنه لن يقبل "بأن يتحمل الأجراء وعامة الشعب تبعات وأعباء إخفاقات السياسات المتبعة لعقود"، مشددا على وجوب "تقاسم الأعباء كل حسب إمكانياته وموقعه".
في المقابل، قال وزير النقل التونسي، أنيس غديرة أول من أمس، إن شركة الخطوط الجوية التونسية، المملوكة للدولة، تعتزم تسريح ألف موظف، أو ما يفوق 12% من قوتها العاملة بدوام كامل، في إطار خطط للإصلاح وتعزيز القدرة التنافسية للشركة.
ويرى وزير المالية الأسبق حسين الديماسي، أن وصفة الشاهد الموجعة لعلاج الاقتصاد أصبحت ضرورة ملحة، بالنظر إلى الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد والالتزامات التي تعهدت بها الحكومات السابقة مع الدائنين.

وتوقع الديماسي، في تصريح لـ "ألعربي الجديد"، أن تتصدى النقابات العمالية بكل الوسائل المتاحة للإجراءات التقشفية المعلن عنها وهو ما يجعل المصادمة بينها وبين الحكومة أمرا محتوما قد يفضي بالحكومة الحالية إلى الرضوخ للمطالب العمالية.
وتُحمّل الحكومات السابقة، المطالب العمالية مسؤولية العجز المتفاقم لميزانية الدولة؛ بسبب لجوء الدولة للتداين الخارجي لتلبية المطالب الاجتماعية وتمكين العمال من الزيادات في الرواتب، وهو ما تسبب في مفاقمة كتلة الأجور بأكثر من 20% في السنوات الخمس الأخيرة.
وبالرغم من حصول الموظفين على زيادات وحوافز جديدة منذ يناير/كانون الثاني 2011، إلا أن هذه الزيادات لم تنعكس على مستواهم المعيشي، بل إن قرابة 700 ألف تونسي انحدروا إلى دائرة الفقراء نتيجة ارتفاع كلفة المعيشة بنحو 40%، حسب تقدير الخبراء، وهو ما يرفع من منسوب مخاوفهم من فرض الحكومة لضرائب وإجراءات تقشفية تؤدي إلى انزلاق ما تبقى من الطبقة الوسطى نحو الفقر.
ووفق استاذ الاقتصاد فتحي النوري، فإن ارتفاع كتلة الأجور لا يمثل إلا عنصرا من مجموعة العناصر التي أدت إلى عجز ميزانية الدولة، مؤكدا أن الإصرار على زيادة الأجور هو سبب المشاكل التي تتخبط فيها الدولة، ضرب من المبالغة.
وشدد النوري في تصريح لـ "العربي الجديد" على أن تراجع الاستثمارات وعجز الحكومة عن تحصيل الضرائب، تسببا في عجز موازنة الدولة، فضلا عن تراجع أداء القطاعات الحيوية على غرار الفوسفات والسياحة.
ودعا النوري إلى التعجيل بالحلول ذات المردودية السريعة، مشيرا إلى أن حكومة الشاهد يجب أن تعمل على وضع خطة لمعالجة الصعوبات على المدى القصير والمتوسط، حتى لا تضطر إلى تنفيذ برنامج التقشف، مقترحا اللجوء إلى تجميد الأجور والتخلي عن صرف بعض الحوافز التي تثقل كاهل الدولة، فضلا عن وضع سياسات قطاعية في الصناعة والتجارة تفضي إلى خلق الثورة وتحسين نسبة النمو للربع الأخير من السنة.

المساهمون