"انفورماسيون" الدنماركية: لماذا سيعود اللاجئون السوريون إلى بلادهم؟

"انفورماسيون" الدنماركية: لماذا سيعود اللاجئون السوريون إلى بلادهم؟

03 أكتوبر 2018
الصحيفة الدنماركية (العربي الجديد)
+ الخط -
خصصت صحيفة "انفورماسيون" في كوبنهاغن عددها الصادر اليوم، الأربعاء، لنقاش سؤال  على غلافها: عودة اللاجئين السوريين إلى أين؟ مع بدء النظام السوري بخطوات تغيير ديموغرافي واسع، وسط سيطرته مع الموالين له على الأراضي. وشككت بأن الدعوات للعودة المتزامنة مع الترويج لإعادة الإعمار ستغري الغرب، أو تطمئن المغادرين من السوريين بالعودة إلى بلدهم المهدم.

وتناولت الصحيفة الدنماركية في السياق مسألة تنشيط الدعوات الأخيرة لعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم "بعد انحسار تنظيم داعش واقتراب السلطة السورية من إنهاء نشاطها العسكري ضد المعارضة، فإن إعادة بناء ضخمة تنتظرها، لكنها عملية ستطول مدتها، خصوصاً أن أكبر الدول المانحة لن تدعم ذلك، كون الوضع سيكون استمراراً لنظام سياسي حاكم بالقهر".

وتشير الصحيفة إلى أن "نظام الأسد يحاول سحر لبنان والأردن بفخ إعادة ملايين اللاجئين لجذب المال، ورغم الظروف القاسية تفضل الأغلبية البقاء في المنفى". وتلفت إلى "محاولات كثيرة بتحويل اللاجئين في لبنان إلى أكباش فداء بسبب تردي وضع البلد الاقتصادي".

واستهلت "انفورماسيون" تغطيتها بالقول إن "لا شيء يدعو للبهجة إذا ألقينا نظرة على مدن تكررت أسماؤها لمدة سبع سنوات من الحرب السورية. فمدن مثل حلب وحمص وحماة والرقة ودوما وكوباني ترسخت مشاهد دمار ومآسٍ إنسانية فيها لا يمكن تصورها. ساعات طويلة من الأشرطة المصورة جوا تظهر مدى الدمار الهائل، شارع بعد آخر مدمر تماما، هياكل مبان هزيلة، طرقات حفرها القصف تحولت إلى برك تعكس دمار العمران، فلا يمكن أن تتخيل حضور الناس إلى هنا مرة أخرى".

وتذكر الصحيفة بمذكرة الاتفاق التركي الروسي لتجنيب إدلب "هجوم النظام المؤجل مؤقتا، بانتظار الجولة الثانية من الحرب الأهلية السورية، والمتعلقة بإعادة التعمير".

حملة دعم اللاجئين في الدنمارك(ناصر السهلي) 


وفي السياق، يقول الباحث والبروفسور في دراسات الشرق الأوسط، ستيفن هايدمان، من سميث كوليج، للصحيفة، وهو صاحب كتاب "اليوم التالي، دعم الانتقال الديمقراطي في سورية"، إن "إعادة الإعمار تتم عادة بعد التوصل لاتفاقيات سلام ومصالحة، لكن الأمر في سورية ليس كذلك، فهي عملية ضخمة تزيد من عدم واقعيتها تقديرات البنك الدولي للكلفة (بين 250 إلى 350 مليار دولار فقط للعودة إلى ما قبل 7 سنوات)، وحتى أنه لا يمكن الوصول لإعمار 10 في المائة خلال السنوات الطويلة القادمة، هذا رغم ما يمكن للمجتمع الدولي تقديمه، بناء على الخبرة من الحروب الأهلية الطويلة، كلبنان والبوسنة". وتعتبر الصحيفة في ذلك "تعقيدا كبيرا".


والمفارقة التي تشير إليها صحيفة "انفورماسيون"، في الكشف عن محاولات النظام السوري استعادة اللاجئين، أن "النظام في سورية دعا شركات من روسيا والصين وإيران وبعض الدول العربية المختارة بعناية لحضور مؤتمر خاص بقضية الإعمار". 

ويذكر ستيفان هايدمان أن أحدا في تلك الدول لن يشارك النظام السوري "الذي يسعى لتثبيت أركان حكمه وتعزيز قبضة الاستخبارات". ويشير إلى أن "لا الأمم المتحدة ولا غيرها من الدول يوصون بقبول استراتيجية النظام بإعادة الإعمار، وتحفيز الانفتاح عليه من خلال الإغراء بالعقود، لتعزيز سلطته قبل أن يجري الانتقال السياسي".


وتشرح الصحيفة أن "تكتيكات أمراء حرب النظام بتوزيع السلطات على أراض يسيطرون بالقوة عليها، كقادة مليشيات، تقضي بمنح عقود لمن يناسبهم". وتؤكد أن هذه الطريقة "في نواح كثيرة هي استمرار لسياسة نظام كانت سائدة قبل الحرب". ويصفها هايدمان "هي اليوم تعبير عن حالة متطرفة أكثر مما كانت عليه، والتي بالأساس كانت سببا لثورة السوريين".

تصف الصحيفة هذه السياسات التي ينتهجها نظام الأسد بـ"فرّق تسد"، مذكرة بالقانون رقم 10 وسندات الملكية، مستشهدة بما قالته منظمات حقوقية عن أنه "قانون يتيح وضع اليد على المناطق ومنع سكانها، وأغلبهم مهجرون ولاجئون، من العودة إليها، كنوع من التطهير والتغيير في التركيبة السكانية، وهذا أصلا بغياب الاستقلال والعدالة في سورية. فأولى المناطق المستهدفة ببلدوزرات النظام هي برزة وجوبر والقابون ومخيم اليرموك، في محيط دمشق، وهي مناطق كان يقطنها فقراء في مبان مكتظة ومؤقتة".

الواقع والأهداف 

وتمضي "انفورماسيون" في شرح "الواقع الذي يدعى اللاجئون السوريون للعودة إليه يعود لعائلة (رأس النظام) بشار الأسد، ومحيط سلطته، فهؤلاء يجعلون أراض يسيطرون عليها ملكا لهم، وبعد ذلك يضاربون فيرفعون أسعارها بالإتيان بموالين لهم إليها، كما في بساتين برزة (الواقعة في ريف دمشق) والقريبة من مركز مدينة دمشق، التي يجري تحويلها لمساكن فاخرة دون أن يستطيع أصحابها الأصليون فعل أي شيء".

وتنقل الصحيفة عن الخبير بالشأن السوري آرون لوند، أن ما يجري "واضح المقاصد وهو أداة بيد الحكم لتحويل بيانات سورية الديموغرافية والطائفية لمصلحته".


من جهته، يتفق ستيفن هايدمان مع هذا التحليل بالقول: "ما من شك أن السلطة باشرت، عبر استصدار قانون 10، بتغيير واقع سورية الديموغرافي والطائفي والاجتماعي لمصلحتها، فهي تجهد بقوة لموازنة وضعها مع السنة، في عملية مستحيلة، من خلال نفي الناس الذين يعارضونها إلى مناطق محددة وجعلهم لاجئين ومهجرين، بحيث تستحيل عودتهم، ورغم ذلك لا أحد قادر على معرفة حجم التغيير الذي يسعى إليه النظام، لكن ما من شك لدى أحد أن الأمر يجري الآن".

وتشير "انفورماسيون" إلى أن "لب القضية في تسارع الحديث عن عودة اللاجئين، بمساع روسية، يستهدف جيوب (تمويل) الغرب، بحجة اللاجئين والإرهاب". ويرى هايدمان أن دعوات "دفع الأموال هي طريقة للجباية ونوع من الابتزاز للغرب".

وتستشهد الصحيفة بدراسة عن آراء اللاجئين، أجراها معهد كارنيغي. وتوضح مسؤولة قسم الشرق الأوسط فيه، مها يحيى، أن الأغلبية "عبروا عن عدم ثقتهم بالنظام وعدم رغبتهم بالعودة في ظل الواقع الحالي".

وأكدت يحيى أنه "من وجهة نظر المجتمع الدولي، فإن أي إعادة إعمار ستساهم في تعزيز الاستقرار والحصول على عمل، كحافز لعودة اللاجئين، لكن الأغلبية يعتبرون أنه إذا لم تترافق الفرص الاقتصادية مع التغيير السياسي والأمني فلا رغبة لديهم بالعودة".

وترى يحيى أن "مخاطر عودة اللاجئين تحمل إمكانية رفضهم من النظام أو ملاحقتهم من قواته التي تتحكم بنقل السكان، ومحاصرتهم وفرض اتفاقيات معهم، هذا إلى جانب الدمار ومخاطر مقاسمتهم على أراضيهم، وصعوبة تطبيق القانون الجديد لإثبات الملكية عند إعادة البناء، وثمة مخاطر كثيرة بوجود العصابات والمليشيات في مناطق النظام والمعارضة، ما يجعل مفهوم العودة الطوعية، الركيزة الأساسية في اتفاقيات دولية حول اللاجئين، تفقد معناها". ​

المساهمون