"النهضة" تحت القصف

"النهضة" تحت القصف

16 أكتوبر 2018
+ الخط -
لأول مرة، تشعر حركة النهضة في تونس بالخشية من احتمال وجود أكثر من جهة تسعى جدّيا إلى عزلها وتحجيمها، ومحاولة شطبها إن أمكن من قائمة القوى الفاعلة في البلاد، فالتركيز الإعلامي والسياسي على مسألة "التنظيم الخاص" الذي سبق أن أنشأته، في مرحلة سابقة، قد يتحول إلى مدخل للتشكيك في أنها حزب مدني، وأن يمثل ذلك مبرّرا كافيا للدعوة إلى حل الحركة ومحاكمة قادتها. هذا ما دعت إليه بوضوح زوجة الشهيد شكري بلعيد، وطالبت به الجبهة الشعبية من خلال أحد مكوناتها الرئيسية، حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد.
ما يزعج النهضويين حاليا أن ما يعتبرونه استهدافا لهم لم يتوقف عند خصومهم التقليديين من اليسار، وإنما اتسع نطاقه ليشمل دوائر أخرى، فعديد الإعلاميين ركّزوا برامجهم وتعليقاتهم على ملف الجهاز السري، وحجتهم في ذلك الكشف عن محتوى الوثائق الخاصة بهذا الجهاز، والتي اختارت لجنة الدفاع عن بلعيد ومحمد البراهمي أن تسلط عليه الضوء بشكل متدرج.
يدور الحديث في تونس منذ فترة حول المؤسسة العسكرية. لقد تم توجيه أكثر من نداء يدعو أصحابه إلى إصدار البيان رقم واحد. وعلى الرغم من إحجام العسكريين عن الاستجابة لهذه النداءات الخطيرة، إلا أن هناك من يأمل أن يستيقظ يوما على إيقاعات الموسيقى النحاسية. وهو ما دفع مسؤولين عسكريين سابقين، مثل الجنرال رشيد عمار، الرئيس السابق لأركان الجيوش الثلاثة، الذي اعتبر أصحاب هذه الدعوات إلى الانقلاب على المسار الديمقراطي "أناسا غير مسؤولين"، وقال إن المكان الطبيعي للجيش هو "الثكنات". أما الجنرال المتقاعد أحمد شابير الذي شغل منصب مدير الأمن الوطني فقد أكد أن الجيش "لم ولن يكون له دور سياسي". وطالب هؤلاء بترك الجيش بعيدا عن السياسة، ليبقى متفرّغا لحماية الوطن.
مع ذلك، اتهم مدير المخابرات العسكرية السابق حركة النهضة بأنها اخترقت الجيش وجنّدت عددا من العسكريين. ووجه اتهاما مباشرا إلى زعيم الحركة، راشد الغنوشي، بالوقوف وراء الجناح السري، ليسهم بذلك في تضييق الخناق حول "النهضة". وهو ما جعل بعضهم ينطلق من شهادته ليدافع عن مسؤولين أمنيين في عهد بن علي، متهمين بتعذيب الإسلاميين، بمن فيهم العسكريون، واعتبروهم قد قاموا "بواجبهم الوطني" عندما تصدّوا لمحاولات اختراق الجيش.
من جهة أخرى، وجّه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في مؤتمر الفرنكفونية في عاصمة أرمينيا، نقدا لاذعا للإسلاميين الذين وصفهم بـ "القوى الظلامية"، بسبب وقوفهم ضد مبادرة الباجي قايد السبسي الخاصة بالمساواة في الإرث. وما تخشاه حركة النهضة أن يتحول ذلك إلى بداية تغير المزاج الأوروبي تجاه الإسلاميين التونسيين.
يتبين مما تم استعراضه أن وضع "النهضة" لم يعد مريحا، على الصعيدين الداخلي والخارجي، وأن هناك احتمالا لتعرّضها لمزيد من الضغوط، وهو ما يفرض عليها الاستعداد لمواجهة هذه المتغيرات بجدّية ومسؤولية، فالخطر أصبح محدقا بها من جميع النواحي. ولهذا السبب، قرّر النهضويون تأجيل خلافاتهم الداخلية، حتى يواجهوا خصومهم موحدين. ولهذا هم في حاجة إلى الوعي بدقة المرحلة، لإثبات تمسّكهم بالخيار الديمقراطي.
ما يُخشى الآن، أن ينمو الشعور بالقلق والخوف لدى الإسلاميين، فيوقعهم ذلك في ردود أفعال مرتجلة وغير مدروسة، قد تستغل ضدهم، والأخطر من ذلك أن يؤدي هذا الإحساس بالاستهداف إلى الدخول في صراعاتٍ مفتوحة مع أكثر من طرف، من شأنها أن تزيد من تهديد الوحدة الوطنية وتفكيكها، وتحويل تونس إلى مجال صراع محلي وإقليمي مفتوح، ستكون نتائجه وخيمةً على عموم التونسيين. وقد يقضي على مكاسب كثيرة، سواء الموروثة عن المرحلة السابقة للثورة، أو التي توفرت بعد التغيير السياسي الذي حصل قبل ثماني سنوات.