"النصير".. الأطفال قتلةً وثائرين

"النصير".. الأطفال قتلةً وثائرين

14 نوفمبر 2015
(مشهد من الفيلم)
+ الخط -

بعد ستة أفلام قصيرة بلغت ذروة النجاح في شريط "أعمق من يوم أمس"، ينتقل المخرج الأسترالي أرييل كليمان (1985) إلى الفيلم الطويل، والذي يبدو أنه الأكثر قدرةً على استيعاب الأفكار الكبيرة والغريبة، كتلك التي في عمله الروائي الطويل الأول "النصير".

اختار كليمان قصّة غير مألوفة عن الجريمة: نتعرّف على غريغوري (أداء الممثّل الفرنسي فنسنت كاسل)، الرجل الخمسيني، والذي يجمع عشيرة كبيرة من الأمهات وأطفالهن من ضحايا الفقر والحرمان وظلم المجتمع. يعيش الجميع تحت سقف واحد في مكان أقرب إلى حي سكني صغير مهجور.

يقود غريغوري هذه العشيرة بسلطة مطلقة ومستبدّة، يدرّب الأطفال على إطلاق النار والهرب، ومن يبلغ منهم مرحلة متقدّمة من التعلّم، ينتقل إلى الخارج لتنفيذ عمليات القتل التي يتلقّى عنها مبالغ كبيرة من المال. يعتمد في عملياته أساساً على ألكسندر (أداء الطفل جيرمي غابرييل)، المجرم الصغير المحترف الذي جلبه مع والدته سوزان (فلورانس ميزارا) بعد ولادته مباشرةً. يدّعي غريغوري دائماً أنه يحمي الأطفال من الخطر الموجود في الخارج، لكن لا أحد يبدو مهتمّاً بما يقول.

في الملجأ، يبدو الجميع سعداء. على الأقل، هناك أكل كثير ولعب وحنان ودفء. أمّا غريغوري، والذي كان يؤدّي أحياناً دور الأب الذي يلعب ويضحك مع أبنائه، فلم يكن الأطفال في نظره، في النهاية، سوى أدواتٍ للقتل.

يلتحق طفلٌ جديد يُدعى ليو (أداء أليكس بالاغانسكي) بالعشيرة، لكن تقدّمه في العمر، مقارنةً ببقيّة الأطفال، حال دون أن ينجح غريغوري في غسل دماغه كما فعل بالبقيّة. هكذا، يضرب بقوانين "الزعيم" عرض الحائط، بل يثور على كل سكّان الحيّ الذين يتّهمهم بالتعجيل في انقراض الدجاج الذي يأكلونه يومياً ويذبحونه بطريقة وحشية. يوجّه إهانات متتالية إلى غريغوري أمام الجميع.

يحاول الأخير استمالة ليو من دون فائدة، ثمّ يقرّر التخلّص منه في النهاية. لكن ليو يكون، حينها، قد نجح في إثارة الأسئلة داخل ذهن ألكسندر الذي سيكون أوّل الثائرين على غريغوري.

ينتهي الفيلم بإشهار ألكسندر مسدّساً في وجه غريغوري، في محاولة لحماية شقيقه الرضيع منه. لم يضع المخرج نهاية واضحة، لكنها أشارت إلى انتهاء سلطة الرجل، ويبدو أن ألكسندر اكتشف، في النهاية، أن الخطر كان دائماً موجوداً في الداخل، وليس في الخارج كما علّمه غريغوري.

لا يحدّد الفيلم الزمن والمكان بشكل واضح، ويجعل الأشياء تسير من دون تبرير، ومن خلال المؤثّرات، نستشعر جوّ الحرب والدمار المنبعث من الجو القاتم الذي عبرت عنه الألوان والتقاط الكاميرا الدخان والبنايات المهدّمة. قد يشكّل عدم الالتفات إلى الثغرات وعدم الاهتمام بتفسير الأحداث دافعين للمشاهد إلى طرح الأسئلة والمشاركة في تأويل مسارات الحكاية.

بعضٌ من سمات الفيلم القصير تظهر في هذا العمل؛ فالمكان هو تقريباً واحد؛ جرى التصوير في الحي الصغير الذي تقطنه العائلات ولم تنتقل الكاميرا إلى الخارج، سوى في ثلاث مناسبات، حين خرج ألكسندر لتنفيد عمليات القتل. يذكّرنا ذلك بفيلمه "أعمق من يوم أمس" الذي اختار كليمان غوّاصة كفضاء لتصويره وبفيلمه "حب صغير" أيضاً، والذي تدور أحداثه في جزء صغير من ضيعة.

على الرغم من عدم تنويع الأمكنة، يهتم كليمان كثيراً بالتفاصيل، ويجعل المكان فاعلاً في بناء الأحداث وامتداداً لمشاعر الشخصيات. هذه العوالم المقيّدة تقابلها دائماً لديه لغة التهديد والعنف والاحتجاج.

قصّة الفيلم التي كتبها كليمان نفسه، بمساعدة سارة سانجلر، هي استمرار لاشتغاله على أزمة الإنسان والوجه البشع للبشرية؛ حيث تختفي المبادئ وتصبح الأولوية هي الاستمرار من دون النظر إلى الكيفية التي يتم بها ذلك.


اقرأ أيضاً: الأعسر..حياة في كنف العنف

المساهمون