"المرياع" الأميركي في سورية

"المرياع" الأميركي في سورية

29 مارس 2016
بدأت أميركا تتراجع باكراً بمواقفها تجاه النظام (Getty)
+ الخط -
يبدو أن السياسة الأميركية تجاه القضية السورية لم تكن سياسة مترددة أو متخبطة أبداً كما كان يرى الكثير من المحللين السياسيين الذين استندوا في تحليلاتهم إلى الأداء الأميركي الذي بدا متناقضاً في بعض مراحل الثورة. فمع بداية الثورة، أصدرت واشنطن موقفاً منحازاً للثورة ووضعت خطوطاً حمراء يستوجب تجاوزها الإطاحة بالنظام، كان أهمها استخدام النظام للسلاح الكيماوي. وحين تم تجاوز تلك الخطوط، ترجم رد الفعل الأميركي بتجاوز تلك الخطوط بصفقة مع الروس.

ومع انتقال الثورة للتسليح، ظهرت عدم نية أميركا ببناء مؤسسة عسكرية للمعارضة تكون بديلة لجيش النظام لاستقطاب من ينشق عن الأخيرة يلتحق بتلك المؤسسة، وفي المقابل غضت الطرف عن تسليح التنظيمات الإسلامية التي ظهرت في سورية إلى أن أصبحت تلك التنظيمات تشكل الفصائل الأكثر فعالية على الأرض. ومع بداية الحديث عن حل سياسي في سورية، بدأت الولايات المتحدة تتراجع بمواقفها تجاه النظام وبدت وكأنها سلّمت روسيا كل مفاتيح الحل في سورية. إن المتتبع للسياسة الأميركية في سورية يدرك أن واشنطن كانت ومنذ اليوم الأول للثورة تأخذ دور "المرياع" لكل الدول الفاعلة في القضية السورية. والمرياع هو كبش كبير يتقدم قطيع الأغنام ويحمل في رقبته جرسا ليكون دليلاً للقطيع الذي يسير خلفه.

يبدو أن الرؤية الأميركية المرسومة بدقة لشكل الحل النهائي في سورية كانت تنفذ على عدة مستويات، إما عن طريق طرفي النزاع وإما عن طريق حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين أو عن طريق روسيا ذاتها التي أعطتها الولايات المتحدة دور الحمار الذي يحمل عبء العملية كلها. وهنا يمكن فهم المواقف الأميركية المتناقضة التي كانت تصدر إما لتوريط جهة ما بموقف متقدم، كما حصل وتم توريط المعارضة ذاتها بمواقف بعد الإيحاء لها بأن النظام فقد شرعيته، وأن مسألة إسقاطه هي مسألة وقت، وتوريط النظام ودفعه إلى التعنت بمواقفه وعدم تقديم أية تنازلات، وكما حصل بتوريط روسيا بالتدخل عسكرياً في سورية، لتسير كل الأمور كما تريد لها واشنطن، باستعصاء عسكري في الميدان يؤدي إلى تدمير الدولة السورية وإنتاج نظام ضعيف يحقق مصالحها في المنطقة.