بدأ المال في السيطرة على كرة القدم بشكل كبير، ولكن بالرغم من ذلك ما زال العديد من الفرق يغرّد خارج السرب، ويحاول تقديم أداءٍ مميّز وتحقيق الألقاب بميزانيات محدودة، لتفتح لهذه أبواب المجد، وهي المعادلة التي أثبتت نجاحها في مناسبات معدودة، إذ لم تكن الأموال في كل الأحيان الطريق إلى الألقاب.
"ضد الكرة الحديثة"، لافتة أصبحنا نشاهدها في مدرجات الملاعب المختلفة، وشعار رفعته جماهير كرة القدم في وجه مُلاّك المستديرة الجدد.
نجحت كرة القدم الحديثة ـ أو كما يحلو لأعدائها تسميتها "Modern Football" ـ في غزو دول أوروبا والعالم، خصوصا مع تزايد أعباء الأزمة الاقتصادية وتوحّش شبح الديون التي تطارد معظم أندية اللعبة الشعبية الأولى في كافة أرجاء المعمورة، لتبدأ من جديد في السيطرة على الساحة بشكل كبير.
انطلق تشيلسي في إنجلترا بشكل مضاعف بعد الاستثمار الروسي للمالك رومان أبراموفيتش، وبعده بسنوات، وصل مان سيتي إلى قمة البطولة المحلية بدعم غير محدود من الإماراتيين، وتكررت التجارب في ما بعد، من مالاجا في بلاد الإسبان، إلى باريس سان جيرمان في الأراضي الفرنسية، وتحولت معظم الأندية الروسية إلى ملكية خاصة لكبار قامات النظام الرأسمالي.
كرة القدم أصبحت كالغابة، واليد العليا فيها لمَن يدفع أكثر، توارت التقاليد المتوارثة وحلّت بدلاً منها الأوراق المالية، حتى تقييم الأندية اختلف كثيراً، بسبب توغّل العملات داخل أعمق تفاصيل كرة القدم، وخطف المال الأضواء من سكان الركن الخلفي بالمدرجات، واشتعل الصراع بين روابط المشجعين وإدارات الأندية ومُلاكها.
أوروبا المثال
في مباراة أياكس والسيتي بدوري المجموعات ببطولة أوروبا في الموسم الماضي، كان الصراع على أشدّه بين نادٍ يمثّل تاريخاً أصيلاً في اللعبة، وآخر عرفه العالم بشكل أكبر خلال السنوات الأخيرة فقط. رفعت الجماهير الهولندية عدة شعارات للتنديد بسياسات النادي الإنجليزي، ووصل الأمر إلى هجوم ضارٍ ضد قوانين الاتحاد الأوروبي للعبة، وذلك بسبب فشله في سن قوانين صارمة تحمي الأندية الشعبية من منافسيها الأغنياء.
أباطرة أمستردام، ذلك النادي القابع في العاصمة الهولندية، والذي قدم لكرة القدم ثلاثة أجيال لا تُنسى، كرويف ورفاقه في السبعينات وفان باستن والرفاق في الثمانينات، وأخيراً كتيبة لويس فان جال في منتصف التسعينات، وكانت كرة القدم عبارة عن لاعبين ومدربين وجماهير فقط، لكن تبّدل الحال ودخلت الملايين حيّز المعادلة، واختلفت الأمور ولم نشاهد بعدها المارد الهولندي على منصات التتويج.
حتى الأندية الأوروبية العريقة دخلت عالم المال، برشلونة والريال يستحوذان على معظم عوائد البث التلفزيوني، والفتات يذهب للبقية، لذلك أصبحت المنافسة مع العملاقين أمر أقرب للمستحيل، حتى جاء أتليتكو مدريد مع الشولو سيميوني وكسر القاعدة، وحقق لقباً غير عادي خلال الموسم الماضي، لكن لم يصل الأمر بعد لدرجة الأمر الطبيعي، بل جرى توصيفه بأنه الاستثناء الذي يأتي مرة كل حقبة.
تجارب تستحق الاحترام
هناك عدة تجارب جديرة بالاحترام، بورتو زعيم "الدراجاو" ما زال يحافظ على نجاحه رغم موارده المالية المحدودة، ويصنع النادي البرتغالي اللاعبين ثم يبيعهم ويبدأ في إخراج أجيال أخرى فحصد المارد الأزرق دوري الأبطال ثم كأس الاتحاد الأوروبي بميزانية بسيطة للغاية.
نجاح يجب أن نشير إليه، خصوصاً أنه نابع من فكرة كروية بحتة، بمساعدة العبقري جورجي مينديز، الذي يستحق موضوعاً بمفرده، للحديث عن صفقاته، وتحكّمه في السوق البرتغالية والأوروبية، في ما يخص صفقات البيع والشراء.
دورتموند، "أسود الفستفالين"، يبيع النادي الألماني لاعبيه بسعر كبير ويبحث عن خلفائهم بمقابل أقل، حصل "الأصفر والأسود" على الدوري الألماني لمدة موسمين ولعب المباراة النهائية لدوري الأبطال، وبعد تجربة مليئة بالديون، ساعدت استراتيجية "كرة المال" الفريق الألماني في الانطلاق من القاع إلى القمة، وتسديد كافة ديونه، ثم تحقيقه لأرباح قياسية أخيراً، بأقل تكاليف ممكنة.
غادر كاجاوا، فجاء رويس، ثم زاد دور ماريو جوتزه داخل الملعب، فحافظ دورتموند على قوامه، ونجح في بسط سيطرته على الأجواء الألمانية، وحتى بعد رحيل جوتزه، وضع كلوب ثقته في مجموعة أخرى من الأسماء، مجموعة ليست مغمورة وفي الوقت نفسه لا تعتبر مشهورة، وبالتالي حافظ الفريق على سياسته، ولم يبتعد كثيراً عن أجواء المنافسة.
في إسبانيا، نجح أتليتكو مدريد وفاز لأنه امتاز بسرٍّ مهمٍ من أسرار الكرة الجديدة، العمل الشاق والتنوّع الخططي والمرونة التكتيكية في زمن لا يسمح أبداً للرفاهية وأصحابها بالعبور إلى منصات التتويج.
حقق الأرجنتيني دييجو سيميوني إنجازاً أكبر من نظيره يورجن كلوب، وقاد مجموعة المحاربين في العاصمة إلى لقب الدوري الإسباني لكرة القدم، بعد منافسة شرسة مع برشلونة وريال مدريد، قطبي اللعبة في إسبانيا، وما زال الأتليتي محافظاً على رونقه حتى الأيام الحالية، في أداءٍ بطوليّ لم يتكرر من قبل، أثبت فيها أن المال لا يكون الأهم في كثير من الأوقات، ونجح الفريق في تحقيق أموال وأرباح جيدة من بيع أهم نجومه وعلى رأسهم الإسباني دييجو كوستا، نجم تشيلسي الإنجليزي، وزميله في الفريق، البرازيلي فيليبي لويز.
كرة المال
ومن حربٍ لا تتوقف في بلادنا العربية بين الأمن والجماهير، إلى تقرير هيئة الإذاعة البريطانية الخاص بفريق "دورتموند" وتعامل إدارته مع مشجعي المدرجات.. "لماذا نقوم برفع سعر التذاكر؟ كرة لعبة الناس، نحن نريد أكبر قدر ممكن من الجمهور، لذلك يجب على الكل أن يحضر، وليس القادرين فقط"..هكذا كانت تصريحات أحد الإداريين بالنادي الألماني لمحرري الشبكة الرياضية، حينما سئل عن سبب خفض قيمة تذاكر ملعب سيجنال أيدونا بارك.
شركة "بوما" طلبت أكثر من مرة رفع سعر القميص، إدارة دورتموند ترفض الطلب، وتصر على القيمة القديمة نفسها، كذلك النادي سيدخل خدمة الإنترنت المجانية بداية يناير/كانون الثاني المقبل، من أجل رفاهية أكبر للجمهور، لكن أثناء المباراة، سيتم منع الإنترنت المجاني، حتى يشجع الجمهور فريقه فقط.
ومنعت الإدارة بيع المشروبات أثناء المباريات، ومكبرات الملعب تأمر الجماهير دائماً بالعودة إلى أماكنها مع بداية كل شوط، لذلك لا عجب حينما يذهب جمهور من إنجلترا أسبوعياً، لمشاهدة ملعب دورتموند، مع أنهم ليسوا أنصار بروسيا، لكنهم في حالة شوق مستمرة نحو كرة القدم القديمة، الخاصة فقط بالعشاق الأصليين.
قصة كلوب وإدارة دورتموند بمثابة التطبيق العملي لرائعة "كرة المال، فن الفوز بلعبة غير عادلة"، للكاتب مايكل لويس، والتي تحولت إلى أحد أشهر الأفلام الهوليوودية في السنوات الأخيرة من بطولة النجم براد بيت، وتدور قصة الفيلم حول المدرب "بيلي بين" الذي تقوده الظروف لقيادة فريق أوكلاند أتليتيك للبيسبول في ولاية كاليفورنيا، الذي حقق بعض النتائج الجيدة قبل أن يتعرّض لظروف صعبة، ويُجبر على بيع أفضل لاعبيه.
وخلال زيارة المدرب لإحدى الولايات، يلتقي بأحد المهتمين بمجال الاقتصاد والذي يحمل أفكاراً غريبة حول كيفية تقييم قيمة اللاعبين، وهكذا سيتعاون الثنائي لتطبيق قواعد إحصائية من خلال استخدام أرقام الكمبيوتر لاتخاذ قرارات بشأن اللاعبين الذين ينبغي التعاقد معهم. ومن هنا سيدخل المدرب في صراعات مع إدارة النادي والمستثمرين، لكنه يصر على رأيه حتى النهاية، وينجح في تكوين فريق بأقل التكاليف معتمداً على الموارد النادرة والإحصائيات الرقمية التي أصبحت لها اليد العليا في كل الرياضات خلال السنوات الأخيرة.
دورتموند المثال
فاز دورتموند على ريال مدريد في 2013 بفريق ميزانيته 29 مليون جنيه إسترليني فقط، وحتى بعد ابتعاده عن النهائيات الأوروبية خلال العام الماضي، وصل الفريق إلى نهائي الكأس وحقق نجاحاً قوياً هذا الموسم في الشامبيونز، وبالتالي حافظ أسود الفيستفالين على قيمتهم رغم ظروفهم المالية الأقل من الفرق الأوروبية الكبيرة.
وبعدما كان دورتموند على حافة الإفلاس في 2005، حقق الفريق إيرادات قوية هذا العام وأعلن عن إيراداته لموسم 2013-2014 والتي تجاوزت التوقعات والأهداف لتصل إلى أكثر من 260 مليون يورو، وفقاً لخزينة الكرة، رغم انخفاضها عن الموسم السابق الذي وصلت فيه الإيرادات إلى 305 ملايين يورو، في نجاح يستحق المديح والإشادة على طول الخط.
ومن كرة المال إلى الأندية محدودة المال، وكما فعل فريق البيسبول المستحيل في القصة الدرامية، فإن هناك فِرقاً كبروسيا دورتموند، وصلت إلى مستوى مميّز، نتيجة ترشيد الإنفاق، والاستفادة من كافة الطرق الحديثة في التقييم.
"ضد الكرة الحديثة"، لافتة أصبحنا نشاهدها في مدرجات الملاعب المختلفة، وشعار رفعته جماهير كرة القدم في وجه مُلاّك المستديرة الجدد.
نجحت كرة القدم الحديثة ـ أو كما يحلو لأعدائها تسميتها "Modern Football" ـ في غزو دول أوروبا والعالم، خصوصا مع تزايد أعباء الأزمة الاقتصادية وتوحّش شبح الديون التي تطارد معظم أندية اللعبة الشعبية الأولى في كافة أرجاء المعمورة، لتبدأ من جديد في السيطرة على الساحة بشكل كبير.
انطلق تشيلسي في إنجلترا بشكل مضاعف بعد الاستثمار الروسي للمالك رومان أبراموفيتش، وبعده بسنوات، وصل مان سيتي إلى قمة البطولة المحلية بدعم غير محدود من الإماراتيين، وتكررت التجارب في ما بعد، من مالاجا في بلاد الإسبان، إلى باريس سان جيرمان في الأراضي الفرنسية، وتحولت معظم الأندية الروسية إلى ملكية خاصة لكبار قامات النظام الرأسمالي.
كرة القدم أصبحت كالغابة، واليد العليا فيها لمَن يدفع أكثر، توارت التقاليد المتوارثة وحلّت بدلاً منها الأوراق المالية، حتى تقييم الأندية اختلف كثيراً، بسبب توغّل العملات داخل أعمق تفاصيل كرة القدم، وخطف المال الأضواء من سكان الركن الخلفي بالمدرجات، واشتعل الصراع بين روابط المشجعين وإدارات الأندية ومُلاكها.
أوروبا المثال
في مباراة أياكس والسيتي بدوري المجموعات ببطولة أوروبا في الموسم الماضي، كان الصراع على أشدّه بين نادٍ يمثّل تاريخاً أصيلاً في اللعبة، وآخر عرفه العالم بشكل أكبر خلال السنوات الأخيرة فقط. رفعت الجماهير الهولندية عدة شعارات للتنديد بسياسات النادي الإنجليزي، ووصل الأمر إلى هجوم ضارٍ ضد قوانين الاتحاد الأوروبي للعبة، وذلك بسبب فشله في سن قوانين صارمة تحمي الأندية الشعبية من منافسيها الأغنياء.
أباطرة أمستردام، ذلك النادي القابع في العاصمة الهولندية، والذي قدم لكرة القدم ثلاثة أجيال لا تُنسى، كرويف ورفاقه في السبعينات وفان باستن والرفاق في الثمانينات، وأخيراً كتيبة لويس فان جال في منتصف التسعينات، وكانت كرة القدم عبارة عن لاعبين ومدربين وجماهير فقط، لكن تبّدل الحال ودخلت الملايين حيّز المعادلة، واختلفت الأمور ولم نشاهد بعدها المارد الهولندي على منصات التتويج.
حتى الأندية الأوروبية العريقة دخلت عالم المال، برشلونة والريال يستحوذان على معظم عوائد البث التلفزيوني، والفتات يذهب للبقية، لذلك أصبحت المنافسة مع العملاقين أمر أقرب للمستحيل، حتى جاء أتليتكو مدريد مع الشولو سيميوني وكسر القاعدة، وحقق لقباً غير عادي خلال الموسم الماضي، لكن لم يصل الأمر بعد لدرجة الأمر الطبيعي، بل جرى توصيفه بأنه الاستثناء الذي يأتي مرة كل حقبة.
تجارب تستحق الاحترام
هناك عدة تجارب جديرة بالاحترام، بورتو زعيم "الدراجاو" ما زال يحافظ على نجاحه رغم موارده المالية المحدودة، ويصنع النادي البرتغالي اللاعبين ثم يبيعهم ويبدأ في إخراج أجيال أخرى فحصد المارد الأزرق دوري الأبطال ثم كأس الاتحاد الأوروبي بميزانية بسيطة للغاية.
نجاح يجب أن نشير إليه، خصوصاً أنه نابع من فكرة كروية بحتة، بمساعدة العبقري جورجي مينديز، الذي يستحق موضوعاً بمفرده، للحديث عن صفقاته، وتحكّمه في السوق البرتغالية والأوروبية، في ما يخص صفقات البيع والشراء.
دورتموند، "أسود الفستفالين"، يبيع النادي الألماني لاعبيه بسعر كبير ويبحث عن خلفائهم بمقابل أقل، حصل "الأصفر والأسود" على الدوري الألماني لمدة موسمين ولعب المباراة النهائية لدوري الأبطال، وبعد تجربة مليئة بالديون، ساعدت استراتيجية "كرة المال" الفريق الألماني في الانطلاق من القاع إلى القمة، وتسديد كافة ديونه، ثم تحقيقه لأرباح قياسية أخيراً، بأقل تكاليف ممكنة.
غادر كاجاوا، فجاء رويس، ثم زاد دور ماريو جوتزه داخل الملعب، فحافظ دورتموند على قوامه، ونجح في بسط سيطرته على الأجواء الألمانية، وحتى بعد رحيل جوتزه، وضع كلوب ثقته في مجموعة أخرى من الأسماء، مجموعة ليست مغمورة وفي الوقت نفسه لا تعتبر مشهورة، وبالتالي حافظ الفريق على سياسته، ولم يبتعد كثيراً عن أجواء المنافسة.
في إسبانيا، نجح أتليتكو مدريد وفاز لأنه امتاز بسرٍّ مهمٍ من أسرار الكرة الجديدة، العمل الشاق والتنوّع الخططي والمرونة التكتيكية في زمن لا يسمح أبداً للرفاهية وأصحابها بالعبور إلى منصات التتويج.
حقق الأرجنتيني دييجو سيميوني إنجازاً أكبر من نظيره يورجن كلوب، وقاد مجموعة المحاربين في العاصمة إلى لقب الدوري الإسباني لكرة القدم، بعد منافسة شرسة مع برشلونة وريال مدريد، قطبي اللعبة في إسبانيا، وما زال الأتليتي محافظاً على رونقه حتى الأيام الحالية، في أداءٍ بطوليّ لم يتكرر من قبل، أثبت فيها أن المال لا يكون الأهم في كثير من الأوقات، ونجح الفريق في تحقيق أموال وأرباح جيدة من بيع أهم نجومه وعلى رأسهم الإسباني دييجو كوستا، نجم تشيلسي الإنجليزي، وزميله في الفريق، البرازيلي فيليبي لويز.
كرة المال
ومن حربٍ لا تتوقف في بلادنا العربية بين الأمن والجماهير، إلى تقرير هيئة الإذاعة البريطانية الخاص بفريق "دورتموند" وتعامل إدارته مع مشجعي المدرجات.. "لماذا نقوم برفع سعر التذاكر؟ كرة لعبة الناس، نحن نريد أكبر قدر ممكن من الجمهور، لذلك يجب على الكل أن يحضر، وليس القادرين فقط"..هكذا كانت تصريحات أحد الإداريين بالنادي الألماني لمحرري الشبكة الرياضية، حينما سئل عن سبب خفض قيمة تذاكر ملعب سيجنال أيدونا بارك.
شركة "بوما" طلبت أكثر من مرة رفع سعر القميص، إدارة دورتموند ترفض الطلب، وتصر على القيمة القديمة نفسها، كذلك النادي سيدخل خدمة الإنترنت المجانية بداية يناير/كانون الثاني المقبل، من أجل رفاهية أكبر للجمهور، لكن أثناء المباراة، سيتم منع الإنترنت المجاني، حتى يشجع الجمهور فريقه فقط.
ومنعت الإدارة بيع المشروبات أثناء المباريات، ومكبرات الملعب تأمر الجماهير دائماً بالعودة إلى أماكنها مع بداية كل شوط، لذلك لا عجب حينما يذهب جمهور من إنجلترا أسبوعياً، لمشاهدة ملعب دورتموند، مع أنهم ليسوا أنصار بروسيا، لكنهم في حالة شوق مستمرة نحو كرة القدم القديمة، الخاصة فقط بالعشاق الأصليين.
قصة كلوب وإدارة دورتموند بمثابة التطبيق العملي لرائعة "كرة المال، فن الفوز بلعبة غير عادلة"، للكاتب مايكل لويس، والتي تحولت إلى أحد أشهر الأفلام الهوليوودية في السنوات الأخيرة من بطولة النجم براد بيت، وتدور قصة الفيلم حول المدرب "بيلي بين" الذي تقوده الظروف لقيادة فريق أوكلاند أتليتيك للبيسبول في ولاية كاليفورنيا، الذي حقق بعض النتائج الجيدة قبل أن يتعرّض لظروف صعبة، ويُجبر على بيع أفضل لاعبيه.
وخلال زيارة المدرب لإحدى الولايات، يلتقي بأحد المهتمين بمجال الاقتصاد والذي يحمل أفكاراً غريبة حول كيفية تقييم قيمة اللاعبين، وهكذا سيتعاون الثنائي لتطبيق قواعد إحصائية من خلال استخدام أرقام الكمبيوتر لاتخاذ قرارات بشأن اللاعبين الذين ينبغي التعاقد معهم. ومن هنا سيدخل المدرب في صراعات مع إدارة النادي والمستثمرين، لكنه يصر على رأيه حتى النهاية، وينجح في تكوين فريق بأقل التكاليف معتمداً على الموارد النادرة والإحصائيات الرقمية التي أصبحت لها اليد العليا في كل الرياضات خلال السنوات الأخيرة.
دورتموند المثال
فاز دورتموند على ريال مدريد في 2013 بفريق ميزانيته 29 مليون جنيه إسترليني فقط، وحتى بعد ابتعاده عن النهائيات الأوروبية خلال العام الماضي، وصل الفريق إلى نهائي الكأس وحقق نجاحاً قوياً هذا الموسم في الشامبيونز، وبالتالي حافظ أسود الفيستفالين على قيمتهم رغم ظروفهم المالية الأقل من الفرق الأوروبية الكبيرة.
وبعدما كان دورتموند على حافة الإفلاس في 2005، حقق الفريق إيرادات قوية هذا العام وأعلن عن إيراداته لموسم 2013-2014 والتي تجاوزت التوقعات والأهداف لتصل إلى أكثر من 260 مليون يورو، وفقاً لخزينة الكرة، رغم انخفاضها عن الموسم السابق الذي وصلت فيه الإيرادات إلى 305 ملايين يورو، في نجاح يستحق المديح والإشادة على طول الخط.
ومن كرة المال إلى الأندية محدودة المال، وكما فعل فريق البيسبول المستحيل في القصة الدرامية، فإن هناك فِرقاً كبروسيا دورتموند، وصلت إلى مستوى مميّز، نتيجة ترشيد الإنفاق، والاستفادة من كافة الطرق الحديثة في التقييم.