"الكبانة" تستنزف الروس والنظام السوري في ريف اللاذقية

"الكبانة" تستنزف الروس والنظام السوري في ريف اللاذقية

13 يونيو 2019
السيطرة على الكبانة تمهّد الطريق لجسر الشغور(عامر الحموي/فرانس برس)
+ الخط -


تشتعل المعارك في شمال غربي سورية وسط تركيز النظام على محاولات تغيير المعادلات لصالحه بعد الخسائر التي تكبدها في الأيام الماضية، لكن من دون جدوى، خصوصاً في ريف اللاذقية الشمالي الذي قفز إلى واجهة المشهد الميداني مع اشتداد الصراع بين قوات النظام المدعومة من الطيران الروسي، وفصائل مقاتلة تدافع عن قرية الكبانة وتلالها، والتي تعتبر أبرز مواقع المعارضة في جبل الأكراد والبوابة الواسعة نحو مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، والتي تأتي في مقدمة أهداف قوات النظام. وتزامنت المعارك المحتدمة مع عودة المشاورات السياسية بشأن الملف السوري، بما في ذلك خلال الزيارة التي بدأها المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون، أمس الأربعاء، إلى العاصمة التركية أنقرة. وكانت صحيفة "حرييت" التركية قد رجحت أن تكون تطورات الأوضاع في منطقة خفض التصعيد بمحافظة إدلب، وآخر المستجدات بشأن سورية، وأهمها موضوع تشكيل اللجنة الدستورية، على قائمة أجندة مباحثات بيدرسون مع وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو.

كذلك ينتظر أن تكون أوضاع منطقة خفض التصعيد في محافظة إدلب التي اشتعلت منذ أكثر من شهر بسبب حملة النظام وحلفائه، على جدول أعمال اللقاءات المرتقبة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكل من نظيره الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني، على هامش قمة التعاون الآسيوي وتعزيز الأمن، والتي تنظم في دوشنبه عاصمة دولة طاجكستان، يومي غد الجمعة، وبعد غد السبت، بمشاركة دول عدة، من بينها الصين وإيران.

ويكتسب اللقاء المرتقب بين أردوغان وبوتين أهمية كبرى في ما يتعلق بمناقشة مواضيع وملفات عديدة، وأهمها التطورات في محافظة إدلب خصوصاً، وفي سورية عموماً، في ظل الخلافات بين تركيا وروسيا، والتصعيد المتجسد بمعارك بين النظام والمعارضة، وبقصف روسي عنيف على محافظة إدلب، فضلاً عن فشل كل الجهود لتطبيق وقف إطلاق نار في المنطقة.

وشهد ريف اللاذقية الشمالي هدوءاً نسبياً، أمس، بعد هجوم جديد على محور تلة الكبانة من قبل قوات النظام ومليشيات تساندها، يوم الثلاثاء الماضي، في محاولة فشلت في إحداث خرق في هذا المحور، الذي بدأت معاركه منذ أكثر من شهرين على خلفية قيام النظام بحملة على شمال غربي سورية. ونقلت وسائل إعلام معارضة عن مصادر قيادية في الفصائل المقاتلة في ريف اللاذقية الشمالي تأكيدها أن قوات النظام شنّت، الثلاثاء، هجوماً "هو الأوسع من نوعه منذ بدء التصعيد في إبريل/ نيسان الماضي"، مشيرة إلى أن "هذه القوات اتّبعت خطة جديدة لاقتحام تلال قرية الكبانة، بشنّ هجوم من خمس محاور، بمجموعات مدججة بالأسلحة المتوسطة والدبابات، مع استهداف التلال مع كل محاولة اقتحام بعشرات الصواريخ من أنواع جولان وغراد والفيل وقذائف الهاون والمدفعية".

وأشارت المصادر إلى أن "قوات النظام حاولت اقتحام تلال الكبانة 25 مرة خلال 75 يوماً، ولكنها فشلت وتكبدت خسائر جسيمة"، موضحة أن "الطيران الروسي ومقاتلات النظام قصفت المنطقة بمئات البراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية والألغام البحرية خلال الـ75 يوماً لدفع الفصائل المقاتلة للانسحاب من المنطقة". وأكدت المصادر مقتل روسيين اثنين خلال المعارك في المحاولات السابقة، إضافة إلى أكثر من 200 عنصر وضابط من قوات الأسد ومليشيات "الفيلق الخامس" المدعوم روسياً والذي يضم مسلحي ما بات يُعرف بـ"مناطق المصالحات"، الذين يدفع بهم النظام دائماً إلى واجهة الصراع.

من جانبها، ذكرت وكالة "إباء" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة)، أمس، أن "قوات الأسد وبإشراف روسي حاولت التقدم على محور كبانة، بعد تمهيد عنيف من الطيران الحربي وراجمات الصواريخ"، مشيرة إلى أن "محاولات التقدم الأربع فشلت". وأكدت مقتل وإصابة عدد من قوات النظام المهاجمة. كما ذكرت مصادر عسكرية أن "مقاتلين من غرفة عمليات (وحرض المؤمنين) شنوا غارة على محور العطيرة في جبل التركمان، أدت إلى مقتل وإصابة نحو 40 عنصراً من قوات النظام، في حين قامت الجبهة الوطنية للتحرير عن طريق سرية المهام الخاصة، بالإغارة على تلة أبو أسعد، ما أدى إلى قتل 13 عنصراً للنظام وجرح العشرات والسيطرة على آليات".



وتضم منطقة الكبانة في جبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي تلالاً استراتيجية عدة، يستميت النظام وحلفاؤه الروس لانتزاع السيطرة عليها، كونها بوابة منطقة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، التي تعد الهدف الكبير للنظام. وأوضح مصدر قيادي في فصائل المعارضة، لـ"العربي الجديد"، أهمية الكبانة بقوله: "تقع على أعلى قمة مطلة على جسر الشغور وسهل الغاب وبداما والناجية والشغر والجانودية وغيرها من المناطق، وصولاً إلى جبل الزاوية في محافظة إدلب". وكشف أن "سيطرة قوات النظام على التلة تعني رصد المنطقة نارياً، ومن ثم يصبح تقدّم هذه القوات إلى باقي المناطق أسهل، كونها ستقود المعارك من الأعلى إلى الأسفل، ومن هنا تنبع أهمية الكبانة الكبيرة لدى الثوار والنظام".

وعن أسباب صمود الفصائل المقاتلة في وجه قوات النظام، أشار القيادي في الجيش السوري الحر مصطفى سيجري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "صمود وحماية المناطق المحررة يعتبر قراراً جماعياً، ولا رجعة فيه"، وفق قوله. وأضاف أنه "لا يمكن التفريط بأي قرية أو بلدة، ولكن للكبانة خصوصية في جغرافية ريف اللاذقية الشمالي، كونها تساعد الثوار على حماية المنطقة وصد العدوان". وأوضح سيجري أن "الكبانة منطقة جبلية ومرتفعة، ويمكن لأعداد قليلة من المقاتلين فيها الصمود والمواجهة وصد أي تقدم أو محاولة تسلل من قبل مليشيات النظام".

وتأتي محاولات اقتحام الكبانة من قبل النظام والروس بعد فشل مباحثات تركية روسية، طالب الروس خلالها بانسحاب فصائل المعارضة السورية المسلحة و"هيئة تحرير الشام" من مناطق عدة في شمال غربي سورية، من أجل إيقاف إطلاق النار، من ضمنها ريف اللاذقية الشمالي، ولكن الأتراك رفضوا الطرح الروسي، مطالبين بعودة خارطة السيطرة إلى ما كانت عليه قبل هجوم النظام مطلع الشهر الماضي، والذي أفضى إلى تراجع فصائل المعارضة عن 18 بلدة وقرية في مناطق ريف حماة الشمالي والغربي، أبرزها كفرنبودة، قلعة المضيق، التوينة، الشريعة، باب طاقة، الحمرة، الحويز، المهاجرين، الكركات، المستريحة، الخالدي والحرداني. ولطالما اتهم الروس فصائل المعارضة السورية و"هيئة تحرير الشام" باستهداف قاعدة حميميم العسكرية الروسية في الساحل السوري من مواقع في ريف اللاذقية الشمالي وريف إدلب الغربي، وذلك لتبرير محاولاتهم انتزاع السيطرة على هذه المواقع.

وأكدت مصادر ميدانية لـ"العربي الجديد"، أن "الفصائل المقاتلة تعتمد أسلوب الكمائن لقوات النظام مستفيدة من الطبيعة الجغرافية الوعرة للمنطقة والتي تمكنها من الصمود والدفاع، مستبعدة قدرة النظام على إحداث خرق في محور الكبانة رغم القصف الجوي". وأشارت المصادر إلى أن "فصائل معارضة تخوض حرب استنزاف ضد قوات النظام التي تتكبد يومياً خسائر في أرواح مسلحيها"، مضيفة أنه "نتيجة هذه المعركة ربما تحسم مصير الصراع في شمال غربي سورية". ولفتت المصادر إلى أن "قوات النظام استخدمت الغازات السامة أواخر الشهر الماضي ضد الفصائل المقاتلة والمدافعة عن تلة الكبانة في محاولة لزحزحتها عن مواقعها إلا أنها فشلت في ذلك".

ومن الواضح أن النظام وحلفاءه يحاولون إنهاء ملف ريف اللاذقية الشمالي من خلال إخضاع المناطق التي لا تزال تحت سيطرة فصائل مقاتلة من أجل التفرغ لمعارك ريف حماة الشمالي. وخرج قسم كبير من ريف اللاذقية الشمالي عن سيطرة قوات النظام بدءاً من عام 2012، ما جعله مسرح معارك كبرى بلغت ذروتها في عام 2014 عندما وصلت فصائل المعارضة إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط بسيطرتها على بلدة كسب ومحيطها. وبدعم روسي استعادت قوات النظام خلال عامي 2015 و2016 العديد من المناطق التي كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية في سياق مساعي الجانب الروسي لتأمين قواعده على الساحل السوري.


المساهمون