"الفنّ" حدود حريّة التعبير والعنصريّة

"الفنّ" حدود حريّة التعبير والعنصريّة

06 نوفمبر 2014
فنان الشارع دان بارك المثير للجدال (وكالة إيكو للتصوير)
+ الخط -

الجسر الواصل بين كوبنهاجن والسويد قد يفصل ما بين فهمَين متناقضَين لمسألة حريّة التعبير وحمايتها. في العاصمة الدنماركيّة وجد السويديّ دان بارك وهو أحد فناني الشارع، من يحتفي به ويقيم له معرضاً فنياً. لكن بلاده عاقبته بالسجن ستة أشهر بتهمة التحريض العنصريّ والكراهية للعرق الأسود وللغجر.

برّرت جمعيّة "حريّة التعبير والمطبوعات" في كوبنهاجن المعرض، قائلة إنه يتعلّق بـ"ضمان حريّة التعبير". أما قرار المحكمة السويديّة، فقضى بإتلاف تسعة من الأعمال الفنيّة المستفزّة. من خلالها، أيّد بارك قتل اليهود جميعاً ورفع التحيّة النازيّة أمام جمهوره، كذلك عبّر عن مقته الشديد للإفريقيّين والأعراق الأخرى.

فجرى البحث عن صالة لعرض تلك الأعمال في كوبنهاجن. لكن من دون جدوى. فاستنكرت "حريّة التعبير والمطبوعات" ذلك وأصرّت على عرض اللوحات، لكن ليس أمام الجمهور العريض ولا في صالات عرض وإنما في مبنى البرلمان الدنماركي. وقد علّقت مسؤولة الجمعيّة كاترين فينكل على رفض العرض، قائلة: "لم أكن أعرف أن حريّة التعبير في الدنمارك تمرّ بظروف سيئة. لا يجب أن يتعرّض أحد للتهديد، بمجرّد رغبته في إقامة معرض سلميّ وتنويريّ".

من جهتها، قالت نائبة رئيس مجلس إدارة الجمعيّة آيا فوغ، إن الأمر "لا يتعلق ببارك ولا بأعماله بقدر ما يتعلق بحريّة التعبير". وكانت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي قد انشغلت بقضيّة الفنّ العنصريّ إلى حدّ تصدّره نشرات الأخبار وعناوين الصحف.

أمام مبنى البرلمان، تظاهر العشرات الإثنين في 27 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، احتجاجاً على المعرض. ولم يغب الأفارقة عن تلك التظاهرة ولا بعض الدنماركيات المتزوجات من أفارقة. فهؤلاء اجتمعوا للتنديد بـ"عنصريّة هذا الفنان ونازيّته" بحسب ما قالت سابينا فريدركسن، متزوّجة من رجل غامبي، للتلفزيون الدنماركي.

وتجدر الإشارة إلى أن يوسوفا صلاح زوج سابينا، كان السبب في الحكم على دان بارك بالسجن ستة أشهر في السويد. فصلاح كان قد تعرّض لاعتداء جسديّ من قبل مجموعة من الرجال المسلمين في السويد، إثر مشادة كلاميّة مع محجبات. فعرض بارك صورة صلاح معلقاً بمشنقة من على أحد جسور السويد. وقد شاركت زوجة صلاح في التحرّك احتجاجاً على السماح بعرض اللوحات في الدنمارك.

بالنسبة إلى كثيرين، الدليل على عنصريّة بارك هو صفحته على موقع "فيسبوك" التي تتضمّن شعارات عنصريّة كثيرة ومنفرة بالإضافة إلى تعابير لغويّة تحطّ من قيمة الشعوب الأخرى.
وقد امتعض مواطنون وصحافيّون دنماركيّون لمنعهم من حضور المعرض في برلمان بلدهم بحجة "الحرص على سلامة الفنان". فالمعرض لم يفتح أمام الجمهور، بل أمام فئة محدّدة ومختارة بعناية. ويسأل هنا الموسيقيّ يسبر كريستيانسن: "كيف يقولون إنها حريّة تعبير ويمنعوننا من حضور المعرض؟ تعبير لمن إذاً؟ للنخب التي تعيش بعيدة عن واقع تطوّر حياتنا والتي تدفعنا إلى القرون الوسطى على خلفيّة الانتماء الضيّق؟".

وكريستيانسن حضر وحاول الدخول للاحتجاج على "هبوط حريّة التعبير إلى مستوى من العنصريّة في غياب المنطق وجرّنا إلى وعي مزيّف". والمعرض الفنيّ الذي افتتح في البرلمان الدنماركي، وجدت له "جمعيّة حريّة التعبير والمطبوعات" قاعة أخرى في كوبنهاجن، ليستمرّ في عرض اللوحات المثيرة للجدل. ويشدّد مسؤول المركز الأفريقي في الدنمارك يوسف نيلسن، على أن "الإصرار على عرض اللوحات التي تصوّر الأفارقة مشنوقين أمر غير مقبول البتة".

إلى ذلك، فإن الذين سُمح لهم بحضور المعرض، خرجوا يصرّحون بأن ما شاهدوه ليس مجرّد لوحات. وقالت الكاتبة سوزان بيرهوس: "أعتقد أن المشاهدة السطحيّة للوحات سوف تعطي انطباعاً بأنها لوحات عنصريّة ومهينة وهي بشعة ومستفزّة. لكن ما وراء اللوحات هو شيء آخر. إنها حريّة التعبير التي قد تكون أحياناً بشعة. ولا يفيد بشيء الشعور الدائم بالإهانة".
من جهته، لفت عضو البرلمان عن حزب المحافظين راسموس يارلوف إلى أنها "لوحات مستفزّة وبشعة. لكنني أراها رداً على النقاش ضدّ العنصريّة في السويد". وعن الحدّ الفاصل، قال يارلوف إن "لا حدود ولا سقف إلا ذلك الذي يحرّض على العنف".

لكن يسبر كريستيانسن لم يتمكّن من ردع نفسه عن التعليق على ذلك بالسؤال: "هو يقول إن الحدّ هو التحريض على العنف. فماذا عن تحيّة النازيّين وتعليق الأفارقة في حبال المشانق واستخدام تعبير "نيغرز" والتحريض على المسلمين؟ هل هي دعوات حب؟".