"العمالة الأردنية في إسرائيل".. على خطى التطبيع الشعبي

"العمالة الأردنية في إسرائيل".. على خطى التطبيع الشعبي

09 اغسطس 2016
أكثر من 900 عامل أردني، في فنادق "إيلات" (Getty)
+ الخط -
على مقربة من أحد مقاهي العاصمة الأردنية عمّان، يفترش سعد رصيف المدينة الصاخبة، وبقربه "صرة" ملابس متوسطة الحجم، "حياتنا في الأردن غدت جحيما لا يطاق، وفرص العمل هنا تكاد تكون أنفس من الجواهر"، بهذه الكلمات القليلة، أراد سعد أن يعبر عن مكنون داخله وهو يهم بالسفر براً إلى مدينة العقبة أقصى جنوب المملكة، ومنها إلى مدينة إيلات، التي يعمل فيها الآن.

سعد، الذي لا يتجاوز عمره 26 عاما، يقول في حديثه لـ"جيل العربي الجديد"،انه بات معروفا لدى الحي الذي يسكن فيه، بأنه يعمل لدى "إسرائيل"، بأجر لا يتقاضاه أحد من أبناء مدينته الصغيرة النائية أقصى شمال الأردن، إلا أن ذلك، يقول سعد، جعله معزولا تماما عن واقعه ومجتمعه، بسبب اتهامه بـ "العمالة للاحتلال".


ويعمل في إسرائيل حاليا، أكثر من 900 عامل أردني، تم إيفادهم إلى فنادق إيلات السياحية، والتي تقع على شواطئ خليج العقبة، وذلك ضمن اتفاقية وقعت منتصف عام 2015، بين الحكومتين الأردنية والإسرائيلية، تقوم على أساسها شركات توظيف أردنية، يبدو أنها متعاقدة مع الجانب الإسرائيلي، بتوظيف مئات الشباب الأردني والتعاقد معهم للعمل في الفنادق السياحية الإسرائيلية، بحسب ما أكده رئيس مركز الدراسات الإسرائيلية عبد الله صوالحة.

العمل في فنادق إيلات، لا يبدو بالنسبة لـ"يزن"، وهو شاب في الـ"29" من العمر، الخيار الأمثل، إذ إن الظروف الاقتصادية الصعبة، ومتطلبات زواجه المعلق منذ 4 سنوات، دفعته، كما أكد لـ"جيل العربي الجديد"، كبقية الشباب إلى العمل داخل هذه الفنادق، التي وصفها بأنها عبارة عن "مستنقع متسخ لا يطاق، إلا أنه أرحم من أن تبقى دون مصدر رزق في بلدك"، على حد وصفه.

مصدر رسمي أردني، أكد أن العمالة الأردنية من الشباب في إسرائيل تقدر حاليا بالمئات، يعملون في مجال النظافة وخدمة الغرف، مشيرا إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يعمل فيها مواطنون أردنيون داخل "إسرائيل".

المصدر المسؤول ذاته، كشف لـ"جيل العربي الجديد"، أن الشاب الأردني يتقاضى خلال عمله في فنادق إيلات، مبلغ 1200 دولار أميركي شهريا، لا يتبقى منها سوى 700 دولار، وذلك بعد حسم نسبة شركة التوظيف، والإجازات والمأكل والمشرب، والتنقل، والضرائب.

وعلى الرغم من أن الحكومة الأردنية، ما زالت حتى اللحظة ترفض الإفصاح عن اتفاقية باستقدام عمالة أردنية لإسرائيل صراحة، إلا أنها لم تمانع رغبة العامل الأردني، الذهاب للعمل خارج الأردن، دون الحاجة للإجراءات وأذونات من قبل وزارة العمل.

هذا ولم تخف مراكز صنع القرار السياحي في "إسرائيل"، رغبتها الكبيرة في استضافة عمالة من الشباب الأردني.
وزارة السياحة الإسرائيلية، أطلقت على البرنامج التشغيلي الذي سمح لمئات الأردنيين للعمل في إيلات، "الوضع المربح للجانبين" في ظل النقص الكبير الذي تعاني منه فنادق المدينة الساحلية، وفق ما بينه صوالحة لـ"جيل العربي الجديد".

وعلى المنوال نفسه، تعتزم الحكومة الإسرائيلية نقل التجربة من مدينة إيلات، إلى منطقة البحر الميت، فالحديث يدور الآن، حول نية توظيف 4 آلاف شاب أردني في فنادق البحر الميت بدلاً من الأفارقة، مما سيسهم في حل مشكلة الهجرة غير الشرعية التي تعاني منها إسرائيل، وفق صحف إسرائيلية.

ولهذا، فان الحكومة الإسرائيلية تجد في العمالة الأردنية حلا لأهم مشكلتين تواجهان صناعة السياحة الإسرائيلية، أولاهما، أن العمالة الأردنية ستحل محل العمالة الإفريقية، وبالتالي ستحد من دخول اللاجئين غير الشرعيين إليه، والثانية، لتدني كلفة العمالة الأردنية مقارنة بغيرها، حسب الخبير في الشؤون الإسرائيلية عبد الله صوالحة.

وعندما سئل نائب وزير الخارجية الإسرائيلي أيوب قرا، عن خشية قيام العمال الأردنيين بمخاطر "أمنية" في إيلات، أجاب بأنهم لن يشكلوا أي خطر أمني على "إسرائيل"، لأن كل عامل يدخل إلى إيلات نعرف من هو وفق معلومات محددة يتم على أساسها تشغيلهم.

وعليه، فإن كل من يعمل بإيلات، أو لديه الرغبة بالعمل فيها، عليه أن يخضع لعشرات التحقيقات الأمنية، وأن يمر بالكثير من غرف التفتيش والمساءلة الأمنية الإسرائيلية، وأن يجيب عن الكثير من الأسئلة التي تتعلق بأدق تفاصيل حياته، مما سبب للكثير من الشباب حالة من القلق والاضطراب، وفق الشاب يزن.

ويبدو أن الأهداف الحقيقية لا تتوقف عند الجانب الاقتصادي على أهميتها، وإنما يرى مراقبون أن الحماسة الإسرائيلية لتشغيل الشباب الأردني في المرافق السياحية الحساسة، لها أبعاد أخرى.

الباحث في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية، عدنان أبو عمر، يعتقد أن إسرائيل تسعى جاهدة لتوظيف الأردنيين في مرافقها السياحية، للإضرار أولاً بالعمالة الفلسطينية، ومن ثم التقليل من وجودها في الأراضي المحتلة عام 1948، وذلك عقب اندلاع هبة القدس قبل نحو عام.

ويبدي أبو عمر استغرابه الشديد في حديثه لـ"جيل العربي الجديد"، من الاستجابة الأردنية للطلب الإسرائيلي باستقدام عمالة أردنية في هذا الوقت بالذات، مع العلم أن توافد العمالة الشابة من الأردن إلى إسرائيل، يتزامن وصدور تقرير دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، في 24 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، الذي أشار إلى ارتفاع معدل البطالة بنسبة 13.8 بالمئة بين العمال الأردنيين في الأردن، مع استحواذ العمالة الوافدة على 50 بالمئة من فرص سوق العمل الأردني، مما يطرح السؤال على صانع القرار الأردني: كيف يصدر عمالة أردنية إلى إسرائيل، فيما يستورد عمالة أجنبية داخل بلاده، وما السبب في إقدامه على هذه الخطوة؟

القرارات الأردنية الاقتصادية، أضرت كثيرا بالاقتصاد الوطني مؤخرا، والتي شكلت استجابة حقيقية لكل الضغوط التي مورست على الحكومة، عقب زيارات وزير الخارجية الأميركي جون كيري للمنطقة، والتي دعا من خلالها إلى إنشاء ما تسمى"كونفدرالية اقتصادية ثلاثية" ما بين الأردن وإسرائيل وفلسطين، وفق ما أكده رئيس لجنة مقاومة التطبيع في النقابات المهنية الأردنية مناف مجلي.

ويبين مجلي لـ"جيل العربي الجديد"، أن الارتفاعات الكبيرة في أسعار الخدمات، والتي فرضت على العديد من قطاعات الحياة الأساسية في الأردن، من مثل المياه والكهرباء، أدت إلى إغلاق العديد من المنشآت الصناعية الحيوية، وبالتالي، تسريح العشرات من الشباب الأردني، وإلقائهم أمام "باب الاحتلال"، يستجدون الفرص لديه.

وقد لاقى تسهيل وتشغيل العمال الأردنيين لدى الإسرائيليين في مدينة إيلات المحتلة، احتجاجا ورفضا شعبياً واسعا، علاوة على إعلان مؤسسات ومنظمات مدنية ونقابات عمالية ومهنية رفضها لهذا الأمر.

وحذر مجلي من إقدام الاحتلال على استغلال العمال الأردنيين الذين يعملون في إيلات المحتلة، وذلك من خلال تجنيدهم لصالح "الموساد"، وتحول هؤلاء الشباب إلى قنابل موقوتة في المجتمع الأردني، والتجربة الفلسطينية ليست ببعيدة عن المشهد.

تجدر الإشارة إلى أن العمل في إيلات يخضع لاتفاقية موقعة بين الجانبين الأردني والإسرائيلي، والتي تم بناء عليها فتح باب العمل للشباب الأردني منذ عام 1998، وتم تجديد البروتوكول منتصف عام 2015، بحيث تم الاتفاق على إيفاد آلاف العمال إلى هناك على مراحل، بحسب مصدر مسؤول أردني.

المساهمون