"العربي الجديد" تواكب اللاجئين من إسطنبول إلى الحدود اليونانية

أحمد الداوودي

avata
أحمد الداوودي
03 مارس 2020
4052B7DF-FEAB-41E1-BF56-0486AC17D2A8
+ الخط -
خدعة... هذا ما خلص إليه لاجئون ظنّوا أن الحياة ستبتسم إليهم حين فتحت تركيا الحدود ليصلوا إلى أوروبا. لكنهم أخطأوا

يعاني اللاجئون في تركيا ظروفاً معيشية صعبة. كثيرون أُنهكوا نفسياً. بعد فتح الحدود التركية، أصبح لهؤلاء أمل في العبور إلى أوروبا من طريق البوابة اليونانية، وصاروا يتساءلون عما إذا كانوا قادرين على تحقيق ذلك الحلم. رافقت "العربي الجديد" مجموعة من اللاجئين السوريين والعرب.

اصطفت الحافلات المجانية في الساحات والميادين، وحثّ أصحابها اللاجئين على التوجه إليها لنقلهم إلى الحدود التركية ــ اليونانية. رجال ونساء وأطفال توجهوا إلى تلك الحافلات من دون تفكير أو تحديد خريطة طريق. هناك من أخذ زوجته وأولاده مع حقيبة ظهر وجهازه المحمول، فيما ترك آخرون عائلاتهم في تركيا أملاً بالوصول إلى أوروبا ثم لمّ شملهم لاحقاً بشكل قانوني. إلا أنّهم لم يقدّروا خطورة الطريق والاجتياز الصعب للحدود وما ينتظرهم في الجانب الآخر.

الانطلاق

عند السابعة مساءً، استعدت أربع حافلات بيضاء اللون تابعة لشركات خاصة يبدو أن الحكومة التركية قد تعاقدت معها لنقل اللاجئين الموجودين في منطقة اسنيورت في إسطنبول، التي تعيش فيها جالية سورية كبيرة، الأمر الذي أثار استغراب الجميع لأنهم لم يتوقعوا خطوة من هذا النوع بهذه السهولة. كانت الحافلات تنادي باللغتين العربية والتركية: "باصات مجانية للنقل إلى اليونان". حتى إن بعض الناس تساءلوا عما إذا كان ذلك مجرد مزحة.

صعد البعض إلى الباصات من دون أن يكونوا قد استعدّوا للأمر. تقول حليمة، وهي مواطنة مغربية جاءت إلى إسطنبول أملاً بالعبور إلى اليونان، لـ"العربي الجديد"، إنها تأمل أن تستطيع العبور إلى اليونان. تتمنى تحقيق حلمها، وهي التي غادرت برفقة أصدقاء من الجنسيتين المغربية والجزائرية. تضيف: "أحبّ بلادي وأعشقها. لكن ماذا عساي أفعل؟ واجهت ظروفاً عائلية ومعيشية صعبة. ومن خلال تصفحي مواقع التواصل الاجتماعي، أرى أن كل من وصل إلى أوروبا أو كندا أو حتى أميركا ينعم بالحرية والعيش الكريم والرفاهية التي لم أجدها في بلدي".

كان اللاجئون يتوافدون بكثرة إلى الحافلات، حتى إن بعضها امتلأ خلال دقائق، ما استدعى طلب المزيد. هتف اللاجئون: "يحيا أردوغان. يحيا أردوغان". كان الانطلاق من أسنيورت، إلى مدينة أدرنة التركية، وهي أقرب مدينة إلى اليونان، والتي يقصدها اللاجئون بكثرة منذ أن فتحت الحكومة التركية حدودها أمام اللاجئين.

الطريق تستغرق نحو ساعتين ونصف ساعة بالعادة، لكن الفترة الزمنية ارتفعت إلى أربع ساعات بسبب تغيير الوجهة الرئيسية والتوجه جنوباً. في هذه الأثناء، كان اللاجئون يتحدثون عن الظروف التي جعلتهم يتركون بلدانهم والأحداث التي مروا بها، سواء في بلدانهم أو في تركيا. يقول رائد، وهو أحد الركاب: "خلال مغادرتي مدينة إدلب في سورية، كانت الطريق مليئة بالجثث والأبنية المهدمة. كنت مصدوماً من المشهد المرعب الذي لن أنساه أبداً. كان عمري حينها 16 سنة، وما زلت أذكر كيف كانت أمي تضع عباءتها على وجهي لتمنعني من رؤية هذا الرعب الذي لم أشاهده حتى في الأفلام. وصلت إلى تركيا، وتحديداً إلى مدينة بورصة. عشت هناك فترة ثم انتقلت إلى إسطنبول حيث توفيت أمي. الحياة أصبحت صعبة.



كنت أتقاضى أجراً زهيداً على الرغم من ساعات العمل الطويلة التي تصل إلى 15 ساعة يومياً. حالياً، بعد فتح الحدود، أرى أنه لا بد من التوجه إلى أوروبا وبدء حياة جديدة، لأن المستقبل هناك. كل ما أتمناه هو إكمال دراستي وإتقان اللغتين الألمانية والإنكليزية والعمل مترجماً".

أحلام

أما الطفل عدي، الذي لم يتجاوز عمره 11 عاماً، والذي كان يسافر مع والديه وشقيقته، فيقول: "أشجع نادي ريال مدريد الإسباني، وأريد أن يأخذني أبي إلى هناك حتى أنضم إلى النادي لأصبح لاعب كرة قدم". أما والده الذي رفض الإفصاح عن اسمه خوفاً على أفراد عائلته الذين ما زالوا في سورية، فيقول: "أريد العيش بأمان، وأريد لأولادي أن يتعلموا في أفضل المدارس. ابنتي مريضة وأريدها أن تتعالج في المستشفيات الأوروبية، وأن أرى أولادي يعيشون في بيئة آمنة حتى أطمئن على مستقبلهم".

اللاجئ العراقي الوحيد الذي كان في الحافلة لا يعرف مصير أبنائه الثلاثة حتى الآن. يقول أبو تحسين: "ما زلت أتذكر ذلك اليوم الذي عاد فيه أولادي الثلاثة من صلاة الفجر في منطقة الدورة في بغداد، حيث قامت المليشيات الطائفية بخطفهم. توجهت إلى سورية بسبب ما تعرضت له، وعشت فيها ثلاث سنوات. ثم توجهت إلى الأردن وبقيت فيه فترة ثم إلى تركيا حيث استقررت في إسطنبول. حاولت مرتين العبور إلى اليونان، لكن محاولتي باءت بالفشل. أنا مريض جداً ولا أملك أي شيء لأتمكن من العلاج، وأتمنى الوصول إلى أوروبا بلا عوائق".

أما سارة، وهي من جنوب المغرب، فتقول: "جئت إلى تركيا بهدف التوجه إلى أوروبا، علماً أن أربع محاولات سابقة باءت بالفشل على الرغم من أنني دفعت نقوداً ليهربني أحدهم براً. أريد الفرار بسبب الأوضاع المعيشية وعدم احترام المرأة. أريد العيش في بلد يحترم المرأة". أما المواطنان المغربي والجزائري اللذان قدما إلى إسطنبول وأصبحا صديقين، فيقولان: "نحن ذاهبان إلى أوروبا الجنة. البعض يرغب في الوصول إلى ألمانيا أو بلجيكا أو إيطاليا من أجل مستقبل أفضل. نريد تحقيق أحلامنا في أوروبا لأننا لا نستطيع تحقيقها في بلادنا". يضيفان: "أكثر اللاجئين هم من حملة الشهادات".

من جهته، يبدو حسين الخطيب من ريف الشام متفائلاً. يقول لـ "العربي الجديد": "متى دخلنا الأراضي اليونانية، سنتابع وحدنا، خصوصاً أننا سنكون أكثر من ألف شخص". يضيف: "خرجت ومعي 150 ليرة تركية سأحتفظ بها وأمضي قدماً إلى اليونان".



النقطة الأخيرة

عند الوصول إلى النقطة الأخيرة، توقفت الحافلة نحو نصف ساعة، وقدم بعض عناصر الأمن عند الحدود وواكبوا الحافلات وأعطوا تعليمات وأوامر بإطفاء الهواتف الخلوية وعدم إشعال أي ضوء إلى أن يصل الباص إلى النهر. مجرد اجتيازه يعني الوصول إلى الأراضي اليونانية. كان الجو ممطراً للغاية، وكان اجتياز النهر صعباً. إلا أن حرس الحدود التركي كان يجبر اللاجئين على العبور، أو يتركهم لتحديد مصيرهم. وبالفعل، كانت الحافلات تنزلهم عند النهر وتمنع عودة أي شخص.

عبر بعض الأشخاص إلى الأراضي اليونانية. إلا أن سمير، وهو سوري من دمشق، تواصل مع "العربي الجديد" عبر "واتساب"، قائلاً إن "الأتراك تركونا عند ضفة النهر، ولم نستطع العبور بسبب خطورة الوضع، خصوصاً أن معنا أطفالاً ونساءً. هكذا انتهت تلك الليلة المأساوية".

في اليوم التالي، لم يتمكن العديد من اللاجئين، وخصوصاً السوريين، من العبور إلى اليونان، ما دفعهم إلى التوجه إلى أقرب محطة حافلات للرجوع إلى مدنهم مروراً بإسطنبول. وكانت محطة كيشان التابعة لمحافظة أدرنة مليئة باللاجئين. إدارة المحطة رفضت حجز تذاكر لهم واستدعت الأمن لإبعادهم. إلا أن كثيرين كانوا يحملون بطاقة كمليك، فتمكنوا من حجز التذاكر، إضافة إلى الأطفال والنساء، وإن كانوا لا يحملون البطاقة. الرجال لم يتمكنوا من ذلك. كذلك فإن محطة الباصات رفعت أسعار التذاكر، ما أدى إلى استياء الناس وحدوث مناوشات انتهت باعتقال أكثر من 10 سوريين.




ضرب وإطلاق رصاص


تمكنت "العربي الجديد" من إجراء مقابلات مع بعض اللاجئين السوريين الذين اجتازوا الحدود اليونانية. لكن قوات كوماندوس يونانية أجبرتهم على العودة إلى الحدود التركية تحت تهديد الضرب والسلاح وإطلاق الرصاص الحي فوق رؤوسهم. يقول أبو سلسبيل، وهو سوري، خلال رحلة العودة إلى إسطنبول: "خرجنا من البيت إلى منطقة أكسراي، حيث كانت الحافلات في انتظارنا. وكان أصحابها يطمئنوننا بأنّ الحدود خالية ومفتوحة، وأن في إمكاننا العبور بسهولة. لاحظت أيضاً تشجيعاً من وسائل إعلام تركية. للأسف، خدعنا بسهولة. وعندما وصلنا إلى الحدود، لم تذهب الحافلة إلى نقطة العبور النظامية، بل إلى نقطة ثانية بعيدة، ما أثار استغرابي".

يتابع: "كنا نأمل أن تكون تلك النقطة البعيدة أفضل لنا. كان الجو بارداً والأمطار غزيرة. كانت هناك قرية تركية قريبة، زودنا أهلها بالبطانيات والطعام وحليب للأطفال. بعد ذلك، رأيت شباناً مغاربة عادوا من الحدود اليونانية، قائلين إن عائلة عراقية غرقت في النهر، وأُنقذ بعض أفرادها. لكن من المؤكد أن هناك شاباً مغربياً سحبه التيار. شاهدت مسنين ومعوقين يحاولون عبور النهر. لكن لدي ثلاثة أطفال يعانون من أمراض صدرية ورئوية. كان من المستحيل أن أخاطر بحياتهم، على الرغم من خيبة الأمل الكبيرة وسوء الأحوال المعيشية في تركيا".



محمد سنبل، وهو سوري من مدينة حمص، تمكن من العبور إلى الأراضي اليونانية، وقطع أكثر من خمسة كيلومترات داخل اليونان. يقول لـ"العربي الجديد": "حين مشينا مسافة معينة في اليونان، قابلنا بعض اللاجئين الذين أبلغونا بأن المسافة للوصول إلى أقرب مدينة يونانية هي 50 كيلومتراً. كنا نحو 400 شخص. مشينا نحو ساعة داخل الأراضي اليونانية وقابلنا دورية للجيش اليوناني، وأطلقوا النار في الهواء. طلبوا منا الجلوس على الأرض نحو ساعة تحت المطر. كانت مجموعتنا تضم نساءً وأطفالاً. بعدها، وضعونا في شاحنات بعد تقسيمنا إلى مجموعات صغيرة، وأعادونا إلى الحدود التركية، بعدما سلبوا منا كل ما نملك من حقائب وملابس، حتى الهواتف. عدد مجموعتي كان 30 شخصاً، وكنا تائهين في البساتين التركية، وضللنا الطريق مدة 5 ساعات. بعدها تفرقنا، وأصبح عددنا 10 أشخاص فقط، إلى أن قام الجيش التركي بإنقاذنا. حتى الآن هناك عائلات تائهة. خاب أملي من معاملة قوات الكوماندوس اليوناني، وهو ما ذكرني بنظام الأسد ووحشيته ضد السوريين".

أما الشاب السوري يوسف أحمد راعي، الذي لم يتجاوز العشرين ويتحدّر من محافظة إدلب، فكان ضمن المجموعة التي عبرت إلى الأراضي اليونانية. يقول: "كنا نمشي في الأراضي اليونانية برفقة عائلات تضم أطفالاً ونساءً. وبعدما اجتزنا النهر، جاء الكوماندوس اليوناني وصار يطلق النار باتجاهنا. ثم اشتبكوا معنا وضربونا. الغريب أنهم لاحظوا كثرة النساء والأطفال في مجموعتنا، لكنهم استمروا بالضرب. الوضع كان مأساوياً للغاية. كنت أظن أنني لاجئ هربت من حرب إلى دولة أوروبية لأتلقى معاملة إنسانية. لكن مع الأسف، كانت المعاملة أسوأ مما توقعت".

يشار إلى أن الحافلات ما زالت تصطف في مناطق معينة بإسطنبول وغيرها لنقل اللاجئين إلى الحدود التركية اليونانية. وعلى الرغم من المحاولات الفاشلة للعبور إلى الجانب اليوناني، تواصل بعض الشبان مع "العربي الجديد" حين عادوا إلى إسطنبول، وأكدوا قرارهم ركوب الباصات مجدداً للوصول إلى الجانب اليوناني، علهم يستطيعون الهرب من الجيش اليوناني ونقاط المراقبة، على حدّ قولهم.

ذات صلة

الصورة
قوات روسية في درعا البلد، 2021 (سام حريري/فرانس برس)

سياسة

لا حلّ للأزمة السورية بعد تسع سنوات من عمر التدخل الروسي في سورية الذي بدأ في 2015، وقد تكون نقطة الضعف الأكبر لموسكو في هذا البلد.
الصورة
البعثة الأميركية في إدلب، سبتمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

تواصل البعثة الأميركية في إدلب عملها، من خلال إجراء عمليات طبية جراحية نوعية يشرف عليها 25 طبيباً وطبيبة دخلوا مناطق سيطرة المعارضة، شمال غربي سورية...
الصورة
النازح السوري محمد معرزيتان، سبتمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

يُواجه النازح السوري محمد معرزيتان مرض التقزّم وويلات النزوح وضيق الحال، ويقف عاجزاً عن تأمين الضروريات لأسرته التي تعيش داخل مخيم عشوائي قرب قرية حربنوش
الصورة
احتجاج ضد مقتل الطفلة نارين غوران في تركيا، 9 سبتمر 2024 (فرانس برس)

مجتمع

لم تلق جريمة قتل بتركيا، ما لقيه مقتل واختفاء جثة الطفلة، نارين غوران (8 سنوات) بعدما أثارت قضيتها تعاطفاً كبيراً في تركيا واهتماماً شخصياً من الرئيس التركي
المساهمون