"العباس"... في المخيال الشعبي والشعري

"العباس"... في المخيال الشعبي والشعري

22 يناير 2020
+ الخط -
العباس بن علي بن أبي طالب، الأخ غير الشقيق للحسين بن علي الذي قضى في كربلاء عام 61 هـ بمعية أخيه الحسين وأهل بيته. حيث يحيي الشيعة ذكرى الواقعة كل عام هجري في عاشوراء، من حيث مواكب العزاء والشعر واللطم وتجريح الأجساد -البعض القليل منهم- ويحتل الشعر في المرثية الحسينية، مرتبة عليا باعتباره المادة الأولى لأي طقس حزين يُنفذ في إحياء الذكرى.

وبما أن الشعر أولى أدوات البلاغة في اللسان العربي، وما لديه من دور في توثيق الأحداث التاريخية عبر أزمنة متعددة، لذا كان للشعر دور مهم في تدوين الحزن الحسيني، وأصبح فيما بعد كل ما كُتب عن كربلاء يُعرف بـ"أدب الطف".

كل البلدان التي تُحيي مراسم عاشوراء قدمت شعراء عدة؛ امتازت قصائدهم بمفردات البيئة والثقافة المستقاة من الفضاء الثقافي الخاص بهم. وترجموا ملحمة كربلاء بما يرونه هم تبعاً للميثولوجيا والنصوص القديمة التي تأثرت بها الثقافة الشعبية لديهم.


دعونا نذهب إلى الشعر العامي (الشعبي) وتأثيره في تصوير الشخصيات والأبطال في كربلاء، تبعا للموروث الثقافي والحاجة التي يراها الشاعر (ابن بيئته) في تجسيد الشخص المرثي. العباس وأخته هما أكثر اثنين يحتلان الشجن والحزن في مراثي كربلاء، وتعتبر حواراتهم في الشعر العامي أكثر المحاورات مبكية وتعاطفاً من قبل المعزين.

العباس في الشخصية العراقية

يشتهر العباس في الشعر العراقي العامي بشجاعته واستبساله في المعركة. العباس في المنظور الشعبي العراقي هو رجل الغيرة والمقدام وصاحب الزود والمقاتل الشرس الذي لا تهمه السيوف والخيول، وعادة ما يكون هو الرجل الذي تلوذ به النساء والأطفال عند الحاجة.. هذا التصور الذي ستجده أكثر تكرارا في الصورة الشعرية، يمثل القيم التي يعتز بها العراقي مثل الغيرة والضراوة.

"أنا بشارْبكْ لا تقول مَدري.. ألّوذ بشارب العباس"، في الصورة الشعرية العامية هي دلالة على قوته واحترام الشارب كرمز للرجولة. الجنوب العراقي ووسطه مجتمع عشائري تكثر فيه الفزعة والحروب الداخلية، ومن علامات الرجل المقاتل العضلات والجرأة وفتل الشارب!

العباس في الشخصية الإيرانية

دائماً ما يقع العباس، ضحية اللّوم والتقصير في الشعر الفارسي العامي، وذلك لعدم تمكنه من إسقاء المخيم العطشان "عباس مه را به ساکینا آورده است"، هذه العبارة الإيرانية التي ترجمت إلى العربية فيما بعد "يا عباس جيب الماي لسكينة"، وسكينة هي بنت الحسين، التي طلبت من عمها العباس شربة ماء كما يرويها الأدب الشعبي لكربلاء.

الشعر العامي الفارسي والخيال الشعبي الفارسي يريان في شخصية العباس "الرجل الكافل" الذي يعيب عليه عدم مساعدته المرأة. لذلك أي تقصير من الرجل تجاه المرأة لا يغتفر! ولكن الأدب الشعبي يتلافى هذا "التقصير"، بالاعتذار عن عدم تمكنه من إيصال الماء إلى المخيّم بسبب قطع كفيه أثناء المواجهة.

إن الحديث عن شخصية العباس خارج المخيال الشعبي، يصطدم كثيراً عن الصورة النمطية التي رسمتها العاطفة الجياشة المتناولة لشخصية العباس. فالتدوين الشعبي لا ينفك عن تأرخة كربلاء متناسياً دور العباس في معركة صفين والنهروان، بالإضافة إلى عدم استرسال المؤرخين عن علمه وفضائله ولا حتى مواقفه السياسية، بل شاع الحزن كثيراً وحدد سور شخصيته بنهر الفرات فقط.

دلالات