"العالم يقول": وحينا لا يُكتب

"العالم يقول": وحينا لا يُكتب

08 مايو 2014
مازن السيد "الراس" في العرض
+ الخط -

لم تكن أسئلة الثورة المصرية وهمومها بعيدة عن العرض الذي أقيم مؤخراً على "مسرح الفلكي" (الجامعة الأميركية) في القاهرة بعنوان "العالم يقول"، وضمّ أربعة من فناني "الراب" ضمن الفعاليات المزدوجة لمهرجان "ريد زون" الذي تنظمه Krikleig Kulturverksted في دورته الثانية (الأولى في القاهرة وبيروت)، و"مهرجان الربيع" الذي يقام سنوياً في المدينتين، وتنظمه مؤسسة "المورد الثقافي".

الفنانون هم: طارق أبو كويك (الفرعي)، وهو فلسطيني من الأردن، ومازن السيد (الراس) من لبنان، وعلي طالباب من مصر، إضافة إلى ديدييه أوادي من السنغال. وقدّم الأربعة عرضاً لـ"الراب" اختلطت فيه فنون الأداء والكتابة بالفنون البصرية والموسيقى، بمشاركة عازف الغيتار تيباس كازيماتيك (الكونغو)، ومنفذ السينوغرافيا غازي فريني (فنان بصري تونسي).

وتَشارك "الفرعي" و"كازيماتيك" العزف على الغيتار، ما سمح بتقديم فواصل غنائية بالتكوين الهارموني التقليدي، من دون أن تطغى الموسيقى المصاحبة على الجانب الأدائي الشعري، رغم استهلال "أوادي" الليلة بإلقاء شعره بالفرنسية غير المصحوبة بأي ترجمة. فيما عمد "فريني" إلى تكوين خلفية بصرية للشعراء والمؤدين، عبر ثيمات تتقاطع أحياناً مع الشعر المُلقى، وتسرح بعيداً ـ أحياناً أخرى ـ في فضاءات فن الفيديو. وذلك ضمن عمليات مزج ومونتاج حيّة وارتجالية على الخشبة. وقد قسّم الشعراء ومؤدو الراب مادتهم إلى خمسة أقسام: النار، والماء، والتراب، والريح، والأرض.

وكانت الثورة بأسئلتها وهمومها مضموناً أساسياً وطاغياً على العرض بمجمله. وهو أمر طبيعي لما يتطلّبه نسق "الراب" من وضوح ومباشرة في استخدام الخطاب السياسي (الثوري والمتمرد)، ممزوجاً بجماليات هذا النوع الفريد من الفن، والمتمثلة في تقديم صور شعرية مسترسلة ومتتابعة، فيما يشبه الومضات.
                                            
بيد أنّ "الراب" يتطلب أيضاً توفر جو يتمتع بحرية تعبير كبيرة تتيح للفنانين استخدام ألفاظ قد تجرح المتلقي العادي للشعر، بل وقد تصدمه أيضاً بزلزلة بعض مسلماته. وهذا تماماً ما حدث مع الشاعر والمؤدي علي طالباب الذي كان يلعب على أرضه، وعلى بعد أمتار من شارع محمد محمود (بكل رمزيّته الثورية). إذ بعد الحفاوة الخاصة التي استقبله بها الجمهور مع انطلاق العرض، تراجع حماس الحاضرين وتفاعلهم معه إثر تقديمه قصيدة تتضمن تناصّاً مع آيات قرآنية، إنّما ذات دلالات غير دينية: "قل يا أيها السالك/ قم واحرق الوثائق/ وَحْيُنَا لا يُكتب".

وجاء عرض "العالم يقول" بعد ورشة استمرت أربعة أيام، عُرض بعدها على مسرح "دوار الشمس" في بيروت (قبل يوم من وصوله القاهرة)، طارحاً بذلك تساؤلات عدّة حول ماهيّة فن "الراب" نفسه: هل هو شعر؟ أم غناء؟ أم أداء يجمع الإيقاع بالمفردة؟ وهذا الشك "الاصطلاحي" هو ما دفع المنظمين أنفسهم إلى عدم وضع تصنيف محدد للعرض ضمن البرنامج الرسمي، والاكتفاء بعنوانه.

لكن يبقى هذا التزاوج بين صور الفن غير التقليدية وتنوع اللغات والثقافات في المادة الفنية نفسها، أهمّ ما قدّمه العرض الأممي المشترك ـ إن صحّ التعبيرـ حيث تجاوز الفنانون القادمون من مشارب وثقافات مختلفة، همومهم واهتماماتهم بالمجريات السياسية ضمن الإطار الضيق لبلدانهم (مصر وتونس ولبنان وفلسطين والأردن)، ليتناولوا بإبداعهم ليس العالم العربي فحسب، بل العالم كله. ما يجعل من عنوان أمسيتهم، "العالم يقول"، خياراً موفقاً بكل المقاييس.

__________________

يقدم "رد زون" و"مهرجان الربيع" في العاشر من أيار/ مايو أمسية شعرية (تقليدية هذه المرة) للشعراء: مايكل عادل (مصر)، ومحمد اللغافي (المغرب)، ووليد الكبيسي (العراق/ النرويج)، وذلك على مسرح "روابط" في القاهرة.

كما تستمر باقي العروض في الموسيقى، والمسرح، والفنون البصرية، حتى 26 أيار/ مايو.

المساهمون