"الصهيونية العربية".. أكثر من عدو
لن يعرفَ الحقيقة من ينتظر مهدياً ومسيحاً ليخلصاه وينقذاه. ولن يُحرر وطناً، ولن يحقق نهضة، ولن يوحد أمة وأرضاً، من يبنى مصيره على انتظار تحقق الأساطير. فليعتبر كل واحد منا نفسَه مسيحاً ومهدياً منتظراً، وليمارس بنفسه ما ينتظر منهما أن يمارساه نيابة عنه، عندئذ سيكتشف أن الروايات التي تحدثت عنهما إنما كانت تتحدث عن يقظتهما في قلبه وفي عقله، أي أنها كانت تتحدث عنه عندما يتقمص صفاتهما النبيلة والعظيمة التي أشارت إليها تلك الروايات.
عملت الصهيونية على صهينة قطاعات رهيبة من العالم سياسياً، ومزجت مريديها في عقيدة واحدة عنصرية وبغيضة، قائمة على إقصاء الآخر، وعدم الاعتراف بمشروعية شراكته في الحياة الآمنة، ولا بحقه في النعيم الدنيوي والآخروي، عندما يقاس النعيم بمعايير استحقاق دينية لاهوتية.
في واقع الأمر، تمكنت الصهيونية من الانتشار السرطاني سياسياً على مستوى العالم، لأن البطش والجبروت الرأسمالي الاحتكاري امتلك كل الأدوات منذ الهيمنة البريطانية وحتى الهيمنة الأميركية التي تمكنه من السطوة السياسية الشاملة. وعندما نقول الصهيونية، لا نقصد اليهود، لأن اليهود، بصفتهم الدينية الصرف، ليست لهم سطوة، خارج الحاضنة الصهيونية الرأسمالية الاحتكارية. وإنما نقصد، عندما نذكر الصهيونية، الإمبراطورية الرأسمالية الاحتكارية التي ورثتها الإمبراطورية الأميركية عن الإمبراطوريتين الاستعماريتين، البريطانية والفرنسية، والتي جعلت من اليهود، وبالتالي، من الصهيونية اليهودية، الواجهة الأمامية لممارسة كل شرورها في العالم عبر منطقتنا العربية.
منذ تزاوجت الرأسمالية العالمية بالصهيونية، وحصل التلاقح، وُلِدَت الصهيونية اليهودية قناعاً يخفي حقيقة الرحم الذي ولدت منه، بغرض إخفاء جوهر المعركة وجوهر الصراع وجوهر التناقض، ليصبح تناقضا عربياً / يهودياً، مادامت الصهيونية قد تجلت عبر يهوديتها، بدل أن يكون تناقضاً عربياً/ إمبريالياً رأسمالياً احتكارياً، وبالتالي أميركياً.
بناء على ما سبق، يمكننا القول، إن الغايات الصهيونية تبقى مخدومة، وخنادقها تبقى آمنة، مادامت قد نجحت في إقناعنا، عبر الإعلام وصناعة الثقافة، وعبر عشرات الكتب والمؤلفات، وعبر الأغاني والأفلام والبرامج التلفزيونية، بأن معركتنا مع اليهود بالدرجة الأولى، بصفة الصهيونية، صهيونيتهم. لأنها تمثل اليهود وتعبر عنهم، وعن حقوقهم الدينية والتاريخية، وأنها ليست شيئاً آخر غير ذلك.
ولن تبدأ كفة الميزان بالاعتدال لصالحنا، إلا إذا بدأت كفة ميزان المعرفة بالاعتدال لصالح الحقيقة التي تؤكد أن معركتنا ليست مع هؤلاء، بل مع كل من يقف في خندق الظلم العالمي، بصرف النظر عن اعتبارات لون أو جنس أو عرق أو دين أو هوية عابرة.