"الشيراتون غايت" و"المليون دولار": الصندوق الأسود لتونس بعد الثورة

"الشيراتون غايت" و"المليون دولار": الصندوق الأسود لتونس بعد الثورة

06 فبراير 2014
+ الخط -
يبدو أنّ خروج حكومة "الترويكا" بقيادة حركة النهضة من الحكم، لن يريح أعضاء الحكومة المتخلية من أوجاع الكراسي وملاحقات القضاء، بعدما اقترنت فترة الحكم الاخيرة بتواتر قضايا الفساد والمحسوبية. ولعل القضية الأكثر إثارةً للجدل لدى الرأي العام، تلك التي تعلقت بشخص وزير الخارجية السابق وصهر راشد الغنوشي، رئيس "النهضة"، رفيق عبد السلام، الذي دُعي يوم أمس إلى المثول أمام القضاء بعدما وُجهت له تهمة استغلال موظف عمومي للاستفادة من دون وجه حق، والإضرار بالادارة العامة. ومن التهم الموجهة ضد عبد السلام، تصرُّف موظف عمومي من دون حق في أموال وضعت تحت يده بمقتضى وظيفته. هذه التهم المنسوبة قد تتراوح فيها درجة العقوبة بين عشر وثلاثين سنة، ما لم تفنّدها مرافعات الدفاع وتثبت بطلانها.
وقرر الوزير المعنيّ عدم المثول أمام القضاء، علماً أن عدد محامي الدفاع بلغ 200 محامٍ، يقودهم الوجه السياسي المعروف ونائب رئيس حركة النهضة الشيخ عبد الفتاح مورو، الذي باشر مرافعاته في وسائل الاعلام منذ يومين ليلح على الطابع السياسي للتهم.

تهم عديدة وُجهت لصهر رئيس حركة النهضة، أهمها ما يعرف بقضية "الشيراتون غايت"، والتي أثارتها في البداية المدوِّنة ألفة الرياحي في رسالة على وسائل التواصل الاجتماعي تهدّد من خلالها برفع شكوى أمام النيابة العمومية إن لم تقم السلطة القضائية المعنية، أو الادارية، بالاجراءات اللازمة لفتح بحث بخصوص مدى صحة المعلومات التي أدلت بها للرأي العام في خصوص قضية وزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام. وقد رحبت المدوِّنة آنذاك بكل مواطن تونسي يودّ التوقيع على الشكوى معها.

يأتي هذا بعدما نشرت الرياحي وثائق تتهم فيها عبد السلام بالفساد وإهدار المال العام، وذلك بقضائه لياليٍ في أحد النزل الفاخرة المقابلة لمقر وزارة الخارجية، بتكلفة باهظة. وقد واجهت المدوِّنة، على خلفية هذه الشكوى، تهماً من النيابة العمومية بالنميمة وتعكير صفو النظام العام وانتحال صفة صحافي واختلاق وثائق ونشر مضامين ووثائق من دون ترخيص من صاحبها، والتعدي على المعطيات الشخصية.

شغلت هذه القضية الرأي العام التونسي لفترة طويلة ضمن مناخ سياسي ساخن تزايدت فيه حدة المعارضة والتنديد بما يتعلق بحكومة "الترويكا" من شبهات. وقد ردّ الوزير المتهم في حينها على التهم المنسوبة إليه بالقول إن كل الليالي التي قضاها في فندق "الشيراتون" كانت في إطار مباشرته لعمله كوزير، وما تفرضه هذه الوظيفة من لقاءات واتصالات مع الوفود الاجنبية، بدليل أنه اضطرّ للمبيت ليلتي 13 و14 يناير/كانون الثاني 2012 في الفندق المذكور، بهدف لقاء ممثلي الوفود الاجنبية التي جاءت للمشاركة في احتفالات تونس في الذكرى الاولى للثورة. أما في 16و17 يناير/كانون الثاني من ذلك العام، فكانت مناسبات لإعداد وإجراء ندوات صحافية ولقاءات دبلوماسية في الفندق نفسه. وبالنسبة لعلاقته بقريبته التي أقامت معه في الفندق، فقد برّرها عبد السلام بأن مرور البلاد في ظروف أمنية متوترة جعله يحثّ قريبته على قضاء ليلتها في النزل، وذلك في 18 يونيو/حزيران 2012.

وقد دخل صهر الوزير، الشيخ راشد الغنوشي، على خط السجال القضائي والسياسي والإعلامي، عندما أكد أنه واثق من براءة زوج ابنته، مضيفاً أن القضية ظالمة وكيدية.

وبحسب ما ورد في شهادة المدير المساعد للموازنة والإذن بالدفع والمحاسبة في الفندق، فإن ليالي الوزير لم يحصل دفع حساباتها عن طريق المصالح المالية وطرق العمل المعتمدة في الوزارة، في حين أدلى الممثل القانوني للفندق بشهادة مفادها أنه لم تسجل التواريخ التي اقترنت بإقامة الوزير في النزل، إقامة وفد أجنبي دبلوماسي أو حكومي بصفة رسمية، لا في 13 ولا 14 ولا 17 يناير/كانون الثاني 2012.  كما أوضح المسؤول في الفندق أن دفع تكاليف ليالي الوزير لم يحصل بالطرق المعتمدة، وإنما بصكوك مصرفية من حساب مفتوح.

 حكاية المليون دولار

بموازاة "الشيراتون غايت"، تقدمت "مجموعة الـ25 محامياً"، وهي مجموعة حقوقية عُرفت بنشاطها في قضايا الفساد والتجاوزات الحكومية، بدعوى قضائية ضد الوزير عبد السلام أيضاً، على خلفية مصير الهبة الصينية في اطار التعاون الثنائي بين تونس والصين، خلال المنتدى العربي ــ الصيني الخامس الذي كلفت الجهة التونسية بتنظيمه. الهبة قدمتها الصين لتونس، وقيمتها مليون دولار أميركي، وفق مراسلة موجهة من السفارة الصينية لدى تونس، إلى وزارة الخارجية. وقد تبين أن المبلغ تم وضعه في حساب خاص مفتوح باسم وزير الخارجية. هذا وكان الوزير قد صرح بالمبلغ إثر ذلك، ووضعه في حساب الوزارة وقدره مليون دينار (حوالي 622 ألف دولار)، متجاهلاً الفرق بين قيمة الدولار قياساً بالدينار التونسي.

قضيتان يمثل بموجبهما الوزير عبد السلام أمام القضاء، في انتظار ما أشارت إليه أوساط وهيئات من مفاجآت تتعلق بشبهات فساد هي الأخرى تتعلق بفندق آخر وبحسابات وتجاوزات. ووفق بعض المصادر، لن يكون عبد السلام الوحيد من بين أقرانه في الحكومة الماضية ماثلاً أمام القضاء.

وفي السياق، أكد المحامي الطيب بالصادق وجود حقائق عدة لم تُكشف بعد في قضية "الشيراتون غايت". وأشار إلى أن مقدم برامج سياسية مشهور استحصل بصفة غير قانونية على مبلغ مالي هام من الحساب المصرفي الخاص الذي أودعت فيه الهبة الصينية بهدف تلميع صورة عبد السلام على حد تعبيره.

كما أضاف الطيب بالصادق أن الوفد الإعلامي لوزارة الشؤون الخارجية سافر إلى غزة في ما عُرف برحلة كسر الحصار، برفقة الوفد الرسمي التونسي الذي ترأسه الوزير، وتم الصرف على تكاليف السفر من الحساب نفسه، وقدر بـ4900 دولار نقداً.

وشدد المحامي المذكور على أن كل الحقائق التي أوردها مدعمة بالأدلة وبوثائق تحمل التوقيع الشخصي لعبد السلام.

وأكد شرف الدين القليل، وهو أحد أعضاء مجموعة الـ"25 محامياً"، المكلفة بالترافع في تلك القضايا، أن المسؤول عن التحقيق في النيابة العامة المالية اكتشف أن عدداً من الأمنيين ومن عناصر "روابط حماية الثورة" سحبوا أمولاً من رصيد عبد السلام في فترة تزامنت مع وجود الهبة الصينية في حساب هذا الأخير. وجزم القليل أنّ التهم ضد رفيق عبد السلام في تلك القضايا "ثابتة".

في المقابل، لا يزال عبد السلام مصرّاً على أن قضية "الشيراتون غايت" هي قضية "مفتعلة إعلامياً وأنها سياسية بامتياز". وأشار، في تسجيل مصوّر نشرته الصفحة الرسمية لحركة النهضة في منطقة تطاوين، إلى أن القضية معروضة أمام القضاء و"قوى الدولة العميقة والخفية هي مَن يحركها" انتقاماً منه على محاربته الفساد والمفسدين" على حد تعبيره.