"السترات الصفراء" تجتاح شوارع فرنسا للسبت الخامس

"السترات الصفراء" تجتاح شوارع فرنسا للسبت الخامس: هدوء نسبي وسط الاستنفار الأمني

15 ديسمبر 2018
انتشار كثيف للشرطة تأهّباً للاحتجاجات (نيكولاس إيكونومو/ Getty)
+ الخط -
واصل محتجو "السترات الصفراء" في فرنسا تظاهراتهم في باريس، وفي مدن أخرى، كمارسيليا وتولوز، للسبت الخامس من التظاهرات، التي تشكل اختباراً للرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يواجه صعوبة في احتواء الغضب، على الرغم من سلسلة تنازلات قدمها لتعزيز القدرة الشرائية، وفي مؤشر على أن مختلف الدعوات التي وجهتها الحكومة وبعض أحزاب اليمين، لوقف التظاهرات، لم تفلح.

ومقابل تعبئة عدد هائل من قوات الأمن، شهد هذا اليوم انخفاضاً في عدد المشاركين، كما خلت التظاهرات من العنف والشغب اللذين شهدتهما التظاهرات السابقة، والتي خلفت، منذ انطلاقتها قبل ما يقرب الشهر، 7 قتلى على هامشها، بعد مصرع اثنين أمس الجمعة.

وإلى حدود الساعة الثانية بعد الظهر، وصل عدد المتظاهرين في فرنسا إلى أكثر من 33 ألف شخص، حسب إحصاءات وزارة الداخلية، في غياب أي إحصاءات موازية، لا من طرف الإعلام ولا من أطراف مقربة من المتظاهرين، منهم ثلاثة آلاف متظاهر في باريس، تجمع معظمهم في "ساحة الأوبرا"، حيث تم نشر الحرس الجمهوري.

واقترب عدد الموقوفين في العاصمة من مائة شخص، اعتقل كثير منهم في المحطات، كعملية استباقية، وكشف كثير من أعضاء السترات الصفراء أنهم تعرضوا ست مرات للتفتيش.

وفي يوم السبت من الأسبوعين الأخيرين، بلغ عدد المتظاهرين 136 ألف شخص، لكن التجمعات شهدت أعمال عنف، خصوصاً في باريس.

وإلى حدود الساعة العاشرة، تم تسجيل أكثر من 230 اعتصاماً وتظاهرة وعملية شلّ حركة طرقات في فرنسا، أكثرها رمزية وقوة في سان-أفولد في منطقة موزيل، حيث يشل متظاهرون الحركة في مفترق طرق وإلى جانبهم "مقصلة" جاهزة للحركة، وهي رد رمزي على استعادة إيمانويل ماكرون لكثير من الرموز الملكية منذ توليه الرئاسة، ولو أنه أثار غضب بعض مناصري ماكرون من النواب البرلمانيين.

ورغم حالة الاستنفار وتدفق المحتجين، إلا أن الحركة هادئة نسبياً، مع لجوء الشرطة إلى إطلاق الغازات المسيلة للدموع في العاصمة الفرنسية، حيث يتجمع بضع مئات من "السترات الصفراء" في ساحة الأوبرا، وآخرون في جادة الشانزليزيه، وهم يؤدون النشيد الوطني ويطلقون الشعارات المنددة بـ"عجرفة الرئيس واحتقاره المواطنين"، وقد استطاعت قوات الأمن محاصرتهم ومنعتهم من الحركة ومن الالتحام فيما بينهم.

ويُعتقد أن الدعوات الملحة لإلغاء التظاهرة اليوم، وخاصة تلك التي عبرت عنها نقابات الشرطة، التي كشفت عن "الإرهاق الشديد" الذي يعاني منه أفراد الشرطة والدرك بعد شهر تقريباً من الاحتجاجات، وخاصة بعد الاعتداء الإرهابي في ستراسبورغ، ساهمت في بقاء كثيرين في بيوتهم، إضافة إلى أن آخرين، من تيارات معتدلة في "السترات الصفراء"، تحدثوا عن انفتاح إيجابي من الرئيس ماكرون، وقرروا الانخراط في الحوار والاستشارات العامة التي أطلقها، والتي من المفترض أن تبدأ اليوم، فيما لم يستطع آخرون الوصول إلى باريس، بسبب ضعف إمكاناتهم الاقتصادية، فقرروا التظاهر في مناطقهم.

كما أن عجز الحركة عن تقديم ناطقين باسمها، يمتلكون المصداقية والشرعية، ويصبحون محاورين للحكومة، ساهم في عدم خروج متظاهرين أكثر.
 

وأمام إصرار محتجي "السترات الصفراء" في فرنسا على مواصلة تظاهراتهم، رغم وعود ماكرون يوم الإثنين الماضي، انتشرت قوات الأمن، يوم السبت، بشكل كثيف في باريس، فيما كررت السلطات الدعوات إلى الهدوء بعد احتجاجات عنيفة سابقة وأعمال شغب.

ورغم أن الأعداد الحاضرة اليوم قليلة مقارنة مع الأسابيع الماضية، إلا أن قوات الأمن انتشرت بشكل كثيف، مزودة بمعدات مكافحة الشغب، حول محطات القطارات المركزية، وعلى طول شارع الشانزليزيه، حيث أغلقت المتاجر وتحصنت تحسباً للاحتجاجات.

كذلك انتشرت الشرطة بشكل مكثف خارج محطة قطار سان لازار المركزية، حيث قامت عناصر من الشرطة مزودة بمعدات مكافحة الشغب بفحص الحقائب، بحثاً عن خوذات أو غيرها من الإشارات المحتملة للاضطرابات. وشوهد أكثر من 20 شاحنة للشرطة وشاحنة مدفع مياه في مكان قريب. 

ولمواجهة أي فلتان، أعلنت السلطات في باريس عن نشر ثمانية آلاف عنصر من قوات الأمن و14 آلية مدرعة. 

وبدت باريس من جديد مدينة في حالة حصار، بسبب الانتشار الأمني الكثيف وإغلاق المصارف والمحلات التجارية واجهاتها بألواح خشبية. 

وقبيل الساعة التاسعة والنصف بالتوقيت المحلي كان قد تم توقيف نحو ثلاثين شخصاً في المنطقة الباريسية، وهو عدد أقل بكثير من 300 شخص أوقفوا في هذا الوقت من السبت الماضي، في إطار عمليات وقائية.

وتخشى السلطات وقوع حوادث جديدة، بعدما انتهى يوم السبت الماضي بعدد قياسي من الموقوفين (نحو ألفين) وأكثر من 320 جريحاً، وأضرار في العديد من المدن، بينها باريس وبوردو وتولوز (جنوب غرب). 

وكان الطلب المهم، الذي كشفت عنه اللافتات، في هذه الجولة الخامسة من حراك السترات الصفراء، هو المطالَبة بتطبيق "الديمقراطية المباشرة"، أي نوع من "الديمقراطية المواطنية"، وهو ما يسمح في نظرهم بإجراء "استفتاء المبادرة المواطنية"، بشكل أقرب من الطريقة المعمول بها في سويسرا. 

وكان طريفاً أن مارين لوبين، زعيمة حزب "التجمع الوطني"، غرّدت، يوم السبت، بأن هذا الطلب سبق لحزبها أن طالب به، قبل سنوات، في انتقاد للشرخ العميق بين الشعب والنُّخَب السياسية.

وانتقد بعض ممثلي "السترات الصفراء"، ومنهم بريسيليا لودوسكي، وهي إلى جانب ماكسيم نيكول، من زعماء "فرنسا الغاضبة" في فيسبوك، والتي كانت وراء إطلاق حملة توقيعات ضد الضرائب على المحروقات، ما تعتبره "اختناقاً بسبب الضغط الضريبي الضخم". وطالبت "فرنسا الغاضبة" بـ"خفض جدي لكل أنواع الضرائب على المنتوجات الضرورية"، وكذلك "تراجُع في امتيازات الدولة، وخفض الاقتطاعات الإلزامية".   

وكان ماكرون، الذي تهاجمه هذه التظاهرات، قد صرح في بروكسل يوم الجمعة، قبيل مظاهرات اليوم، بأن "بلدنا يحتاج اليوم إلى الهدوء، يحتاج إلى النظام". وأضاف الرئيس الفرنسي، الذي كان يتحدث في ختام قمة أوروبية، "قدمت رداً" على مطالب "السترات الصفراء" أن "الحوار (...) لا يتم باحتلال الأماكن العامة والعنف".

وكان ماكرون قدّم سلسلة تنازلات إلى "السترات الصفراء"، أكثرها رمزية زيادة المساعدات الاجتماعية للذين يتلقون حداً أدنى من الأجور بمقدار مائة يورو. لكن المواقف من إجراءات ماكرون كانت متباينة داخل حركة الاحتجاج، التي تطالب بخفض الضرائب وتعزيز القوة الشرائية.

وتقود الاحتجاجات حركة "السترات الصفراء"، التي بدأت مظاهراتها في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني، في البداية للاحتجاج على زيادة الضرائب على الوقود، لكنها سرعان ما تحولت إلى تعبير عن الغضب من ارتفاع تكاليف المعيشة في فرنسا والإحساس بأن حكومة ماكرون منفصلة عن صراعات العمال اليومية.