"الذهب النوبي": حضارة همشتها "المصريات"

"الذهب النوبي": حضارة همشتها "المصريات"

02 فبراير 2020
(من المصوغات النوبية، مقتنيات "متحف بوسطن")
+ الخط -

قبل أكثر من أربعة عقود، وفي سباق مع مياه النيل المرتفعة والمحصورة بسد أسوان، اجتمع علماء الآثار من بلدان مختلفة من العالم لإنقاذ الآثار والمقابر وغيرها من بقايا النوبة القديمة، هذه الثقافة الأفريقية السوداء التي غطّى عليها الاهتمام بعلوم المصريات الفرعونية، دون أن ينفي ذلك أنها ثقافة مبتكرة ومختلفة في حدّ ذاتها.

آنذاك كان أكثر ما احتفي به هو إنقاذ معبد أبو سمبل، الذي كان على الضفة الغربية لبحيرة ناصر، وهو أحد مواقع "آثار النوبة". كان المعبد يرمز إلى النوبة تلك الأرض البعيدة ومصدر الذهب والعاج، حيث أن تركيز الدارسين على مصر القديمة ساهم في إهمال النوبة القديمة التي كانت حقاً ثقافة أفريقية سوداء ذات نفوذ وقوة هائلين، كما وصفها مرة عالم الآثار الأميركي تيموثي كيندال المتخصّص في الحضارة النوبية.

وكان أقلّ ما احتفل به في ذلك الوقت، إنقاذ الآلاف من القطع الأثرية التي أنشأها النوبيون أنفسهم، والتي تعكس ثقافة مميزة يعود تاريخها إلى أكثر من 7000 سنة. يجد العلماء في القطع الأثرية دليلاً قاطعاً على تأثير النوبة على الثقافة المصرية وتطوّر الحكم الملكي الفرعوني، وهو تأثير ليس ثقافياً وحسب بل سياسي أيضاً، وفق الدارسين.

وبالنسبة إلى علم المصريات، فإن "الدراسات النوبية" هي مجال جديد نسبياً لعلم الآثار، ولم يعد مجرّد ملحق بـ "المصريات"، بل إن بعض علماء الآثار يرون أنه عند دراسة علاقة مصر القديمة بالحضارات الأفريقية الأخرى ودورها في نهوض الحضارة الغربية، أن مصر مجتمع أسود ويقولون بأن كليوباترا نفسها كانت سوداء.

وبما أن اليونان استعارت بعضاً من ثقافتها من مصر، فوفقاً لهذا الرأي، تكون الحضارة الغربية في جزء كبير منها قد تأثّرت بشكل أساسي بالحضارة الأفريقية، حتى أن عالم الآثار مارتين بارلين ألّف كتاباً بعنوان "أثينا السوداء" يناقش هذه الفرضية.

في هذا السياق، ظلّت الكثير من الكنوز النوبية وحتى يومنا ليست حقلاً مغرياً للدارسين وعلماء الآثار، وبقيت المصريات هي الحقل المعرفي المهيمن على الآثار في أفريقيا بالعموم، فكانت كشجرة ضخمة تخفي خلفها غابة. عن هذه الكنوز يتحدّث عالم الآثار الأميركي بيتر لاكوفارا في محاضرة "الذهب النوبي" عند السادسة من مساء اليوم في "جمعية اكتشاف مصر" في القاهرة.

ويعود إلى أرض النوبة التي اشتهر اسمها بأنها "ذهب"، حيث عرفت في العصور القديمة بإمداداتها من المعادن النفيسة والمواد الغريبة والنادرة. وبحسب المحاضِر، فإن العديد من الكنوز التي صُنعت في النوبة تعدّ من "روائع الجواهر اليوم، وغالباً ما تفوق تلك التي صنعت في مصر وبقية العالم المتوسطي القديم".

ويضيف لاكوفارا في تقديم المحاضرة إنه "على الرغم من أن هذه الكنوز الفريدة هي من بين أكثر الأشياء المذهلة التي نجت من العصور القديمة ، إلا أنها لا تزال غير معروفة تماماً، مثلها مثل القصص المثيرة لاكتشافها والخلفية الغنية للحضارات الغريبة والنائية التي أنتجتها".

ليس هذا فقط، بل شملت الأعمال الفنية للحضارة النوبية التماثيل البرونزية للملوك والآلهة، وصناعة الملابس، والأسلحة، والفخار مطلّي بألوان زاهية، إلى جانب منحوتات لطيور برأس إنسان تمثل الروح بعد الموت.

المساهمون