"الدول غير الإسلامية أكثر أسلمة"

"الدول غير الإسلامية أكثر أسلمة"

23 اغسطس 2018
الدنمارك من بين الدول الأكثر تطبيقاً للإسلام (العربي الجديد)
+ الخط -
قالها جمال الدين الأفغاني، قبل مائة عام وأكثر، أنه وجد في حلّه وترحاله "بلاداً إسلامية ليس فيها مسلمون، وبلاداً غير إسلامية  فيها مسلمون". هذه الجملة تلخص بحثاً صدر عام 2010 في "غلوبال إيكونومي جورنال" (العدد الثاني من المجلد العاشر)، وضعه الباحثان شهرزاد س. رحمن وحسين عسكري، من جامعة جورج واشنطن الأميركية، وعنوانه "ما هي درجة الأسلمة في الدول الإسلامية".

وقد أثار اهتمامي، عندما برز فجأة على وسائل الإعلام الإلكترونية والمواقع الإخبارية في المملكة الأردنية الهاشمية. وقد اكتفى كاتب الخبر بالنظر إلى جدول الدول وترتيبها حسب درجة تطبيقها الإسلام من دون قراءة البحث. ولذلك جاء الخبر أن الدول  الإسلامية هي من أقل الدول تطبيقاً للإسلام. وقد اشتمل الجدول على 208 دول ومنطقة. 

ورد في الجدول أن أكثر الدول تطبيقاً للإسلام، حسب مؤشرات الأسلمة التي تبنّاها الباحثان، هي نيوزيلندا، وتلاها كل من لوكسمبرج وإيرلندا وأيسلندا وفنلندا والدانمارك وكندا. أما ماليزيا  فقد احتلت المرتبة 38 من بين دول العالم، وكانت الأولى على الدول الإسلامية الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.

وتلت ماليزيا الكويت (48)، وبروناوي (65) والإمارات (66) والأردن (77). أما قطر فكانت في المرتبة (119) وتركيا (103)، والسعودية (131) والجزائر (160)، وإيران (163). أما السودان فكان ترتيبها (202)، والصومال (208).

ومن الطريف في هذا التصنيف أن باكستان احتلت المرتبة 147، وبنغلادش 152، بينما جاءت الهند في المرتبة 89. وفي الوقت الذي احتلت فيه المملكة العربية السعودية المرتبة 131 كانت الولايات المتحدة رقم 25. أما الأطرف فهو أن إسرائيل احتلت المرتبة 61، أي قبل الأردن وتركيا وإيران والسعودية والسودان وحوالي 48 دولة إسلامية أخرى.

وعند النظر في هذه النتائج المثيرة، لا بد من إثارة بعض الأسئلة عن هذين المؤلفين. الأولى البروفسور شهرزاد رحمن، أستاذة متميزة في العلاقات الدولية والاقتصاد، وترأس واحداً من أهم المراكز للدراسات الدولية، في جامعة جورج واشنطن، ونشرت مئات الأبحاث وعدداً من الكتب، وحاصلةٌ على جوائز كثيرة كأستاذة وباحثة، ولا يرقى شك إلى قدراتها الفنية وإمكاناتها.

ومع أنها عملت في البحرين، في بدايات حياتها العملية، إلا أن بلد المنشأ ليس مذكورا في أي من سيرها الذاتية المنشورة، وإنْ بدت من صورتها أنها باكستانية أو هندية.

الباحث الآخر هو د. حسين عسكري، وهو إيراني المولد، لكنه ترك إيران إلى المملكة المتحدة في سن مبكرة، وأكمل دراساته الجامعية في الاقتصاد  من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا. يدرّس الآن الاقتصاد في جامعة جورج واشنطن في العاصمة الأميركية، ومؤهلاته محترمة ولا شك فيها، وقد نشر أبحاثا عديدة، ونال عدداً من الجوائز البحثية.

ويبدو أن المؤشرات التي استخدمها الباحثان في الحكم على درجة الأسلمة (Islamicity) لأي دولة لم تكن في مجال العبادات، أو اجتناب المحرّمات، أو التقيد بالحلال، بل انصبت على أمور أخرى. وهنا يؤكد الباحثان أن الذين يتهمون الدين بالتخلف والنمو المتدني إنما يعتبرون الدين في معادلاتهم عنصراً مستقلاً، والنمو والتقدم عنصرين تابعين. أما إذا عكسنا الأمر، وجعلنا الدين عنصراً تابعاً، فمن الطبيعي أن تختلف النتائج.

ومع اعترافهما بأن قياس درجة الأسلمة أمر صعب ومعقد، إلا أنهما وضعا مقياساً لذلك مكوّنا من عناصر أساسية، أولها وأهمها العنصر الإنساني، وأسلوب معاملته من الدولة، وقدرته على التعبير. وثانيها هو المعرفة، ودرجة السعي إلى اكتسابها، والمهارة في تطبيقها ووضعها في خدمة النمو والازدهار في الدول.

والأمر الثالث هو الميثاق، أو علاقة الإنسان بربه، بحيث تكون هذه العلاقة واضحة وشفّافة، وتؤدي بكل مواطن إلى احترام أخلاقيات الدين، طمعا في رضا الله، واحترام المواثيق التي يوقّعها، وتطبيقه القانون من دون تمييز، والتقيد بالقواعد المرعية.

وهكذا، أخذ الباحثان هذه الجوانب، الإنسان، والمعرفة، والميثاق، باعتبارها من أساسيات الإسلام وتعليماته، ومن ثم وضعا لكل بندٍ من هذه البنود مؤشرات رقمية، بعضها كلي (ماكروي)، والآخر تفصيلي. وفي هذا السياق، دخلت معايير، مثل معدلات النمو، والفقر، والبطالة، والشفافية، والفساد، والاحتكار، والغش، وغيرها، ضمن المؤشرات المستخدمة. ومن ثم استخدموا الأرقام المتاحة عن الدول والمناطق المختلفة، وخرجوا بمؤشّر عالمي جديد على درجة الأسلمة بين الدول.

وكان في وسع هذين الباحثين (رحمن وعسكري) أن يختارا المؤشرات التي اختاروها قواعد عامة ليست محصورة بالضرورة بالإسلام، لكنهما قصدا أن يقدّما نتيجتين تستحقان التوقف والتأمل: الأولى أن الإسلام ليس مسؤولاً عن التخلف، بل عدم التقيد بمبادئه هو السبب، لأن المبادئ الأساسية للدين الإسلامي تنموية، لو طبقت عن وعي أو غير ذلك.

الثانية، أن ما يلصق بالإسلام من فهم بأنه يحضّ على العنف والكراهية والخروج عن القانون ليست صحيحة، بل على العكس، الدول التي تطبق الإسلام، كما يفهمه الباحثان، تحقق معدلات نمو مضطّردة، وتوزّع مكاسب هذا النمو بعدالة، ويقلّ فيها الحافز للعنف وكره الآخر.

الدراسة بحاجة إلى تحديث وتطوير، لكنها قطعاً بداية تستحق التطوير، ومزيداً من الاهتمام في عالم تنتشر فيه الإسلاموفوبيا.

المساهمون