"الحكاية الشعبية": واحة هادئة وسط صخب العولمة

"الحكاية الشعبية": واحة هادئة وسط صخب العولمة

24 ديسمبر 2018
الحكواتية التونسية رائدة القرمازي
+ الخط -

ما تزال الحكاية الشعبية حاضرة في الذاكرة الجمعية، رغم تقدم وسائل الترفيه والسرد المختلفة وتعدد فنونها وأشكالها، فهي قصة التجمعات الإنسانية الأولى وجسر لنقل الحكمة والتجارب بين الأجيال، إلى جانب كونها وسيلة تربوية وترفيهية تفاعلية.

أبرز أشكال حضور الحكاية الشعبية كان من خلال شخصية الحكواتي التي لا يقتصر حضورها على ثقافة بعينها، لكن قد تكون مكرسة في المجتمعات العربية أكثر من سواها، وفي تونس تأخذ الحكاية الشعبية أبعاداً مختلفة مستمدة من جذور مختلطة تمزج الثقافة العربية بالذاكرة الأفريقية.

كل هذا ينصهر في قالب من التعددية العرقية واللغوية داخل البلاد نفسها، حيث تعرف تونس المعاصرة اختلاط الهوية بين سكان الصحراء والمدينة والساحل والريف من عرب وأمازيغ وبربر وطوراق ومن أصول شامية وأندلسية، مما يجعل الحكايات مطعمة بأصول مختلفة يثريها خيال الذاكرة التراثية الخصب وتوالد الروايات والخرافات، وتوظيف الإنسان والحيوان والغرائبي والعجيب إلى جانب الواقعي في القصة نفسها.

ربما لهذه الأسباب مجتمعة، ما زالت الثقافة التونسية تعرف فنانين ومسرحيين من الجنسين يقبلون على الفن الحكائي الشفوي ويتجهون إلى توظيفه في أعمالهم، واشتهر منهم رائدة القرمازي، والطاهر الزرقاني وحاتم بوريال وعبد الستار عمامو، كما تحفظ الذاكرة التونسية سيرة أشهر الحكواتيين فيها عبد العزيز العروي (1895-1971).

ومع انتشار الإنترنت، وهيمنة مواقع البث المستمر للدراما والأفلام، تبدو الحكاية الشعبية مثل واحة هادئة وسط صخب العولمة، وتظهر كما لو كانت مكاناً آمناً للتلقي والتربية والترفيه لا سيما للأطفال.

ضمن هذه الخلفية، تنطلق صباح غدٍ الثلاثاء الدورة الأولى من مهرجان "الحكاية الشعبية" الذي تنظمه "دار الثقافة المكنين" في ولاية المنستير، وتتواصل حتى 27 من الشهر الجاري.

تأتي التظاهرة ضمن أنشطة البرنامج الوطني "مدن الفنون" الذي يسعى إلى تفعيل الثقافة وتحويل المدن التونسية المختلفة إلى فضاءات تضع الثقافة والفنون على أجندتها طيلة العام.

يتضمن برنامج التظاهرة يشمل البرنامج ثلاثة عروض للحكواتي موجهة للأطفال وهي "الحكواتي الصغير" يؤديه الفنان أنيس شويخ و"أصل الحروف" مع المسرحي خالد شنان و"عصفور الجنة" عرض للمسرحي علاء الدّين أيوب.

كما تقيم التظاهرة ندوة تحت عنوان "الموروث الشفوي والحكاية الشعبية في تونس" يشارك فيها المسرحيان الحبيب القردلي والمنصف مهني.

وفي برنامج مخصص للورشات التدريبية، تطلق التظاهرة ورشة موجهة للشباب موضوعها "فن التشخيص من الكلمة إلى الصورة" يديرها المسرحي عمر بسباس، وأخرى بعنوان "تقنيات فن الحكي" يشرف عليها المسرحي فوزي اللبان، وثالثة تتناول "فن الحكاية" ينشطها المسرحي خالد شنان، أما الورشة الأخيرة فيديرها الفنان المسرحي فتحي اللبان وتتطرق إلى "فن التشخيص".

يذكر أن هذا المهرجان ليس الوحيد المكرّس لفنون الحكواتي والحكاية الشعبية، حيث يقام كل عام مهرجان "أيام الفداوي"، و"مهرجان الخرافة"، و"المهرجان الدولي لفن الحكاية".

المساهمون