"الجندي والدولة المتغيرة": كيف تبنى جيوش ديمقراطية؟

"الجندي والدولة المتغيرة": كيف تبنى جيوش ديمقراطية؟

27 مايو 2018
بشار الحروب/ فلسطين
+ الخط -

يركّز الباحث الأميركي زولتان باراني (1961) في عدد من دراساته على بنية المؤسسة العسكرية وردود فعلها على حركات الاحتجاج السياسية، كما في كتابيه "الجنود والسياسة في أوروبا الشرقية"، و"كيف تستجيب الجيوش للثورات؟ ولماذا؟".

"الجندي والدولة المتغيرة: بناء جيوش ديمقراطية في أفريقيا وآسيا وأوروبا والأميركتين" عنوان كتابه الأخير الصادر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة، والذي نقله إلى العربية نبيل الخشن، في استحضار لدراسة كتبها صموئيل هنتنغتون في عام 1957، صاحب أطروحة "صدام الحضارات"، عن العلاقات المدنية العسكرية الحديثة، بعنوان "الجندي والدولة".

لا يتوخّى الباحث التوصّل إلى نظرية عامة في الكيفيّة التي تحقق بها الديمقراطيات الجديدة السيطرة على جيوشها والتحكّم بها، لكنه يوفّر للباحثين والمسؤولين في النظم الديمقراطية حكمة يمكن استخلاصها من الاطلاع على حالات عدة تُدرس بالتفصيل.

يتضمّن الكتاب عشرة فصول، يتناول الفصل الأول مظاهر الجيش الديمقراطي، في حين يتناول الفصلان الثاني والثالث بناء الجيوش الديمقراطية بعد الحرب كما في ألمانيا واليابان وهنغاريا بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد الحرب الأهلية كما في البوسنة والهرسك والسلفادور ولبنان.

تتناول الفصول من الرابع إلى السابع بناء الجيوش الديمقراطية بعد تغيير النظام كما جرى بعد الحكم العسكري في إسبانيا والبرتغال واليونان والأرجنتين وتشيلي وغواتيمالا وكوريا الجنوبية وتايلاند وسلوفينيا وروسيا ورومانيا. أمّا الفصول من الثامن إلى العاشر فتنكبّ على بناء الجيوش الديمقراطية بعد تحوّل الدولة، كما هو الحال بعد الحكم الاستعماري في الهند وباكستان وبنغلادش وغانا وتنزانيا وبوتسوانا، وبعد إعادة التوحيد في ألمانيا واليمن، وبعد حقبة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

تتمثّل واحدة من أهمّ مساهمات هذا الكتاب في التحديد الواضح لما تعنيه السيطرة المدنية على الجيش؛ إذ يعرّفها باراني بأنّها تقاسم السلطتين التنفيذية والتشريعية مسؤولية الإشراف على السلطة الدفاعية، بما في ذلك القرارات المالية والإدارية المتعلقة بها. كما تعني وجود وزير مدني يقف بين المسؤول التنفيذي الأول والقوات المسلحة في سلسلة القيادة. وكذلك، فإنَّ قبول القوات المسلحة نظاماً ديمقراطياً يقتضي خضوعها لتغيير داخلي، كما يجب أن تعكس معاييرها الداخلية المتعلقة بالقضايا الاجتماعية مثل الجنس والانتماء الإثني والديني معايير المجتمع ككلّ، ما يعني الحاجة إلى خبرة دفاعية مدنية مستقلة.

يتفحّص باراني سبعاً وعشرين حالة انتقالية من الأوتوقراطية أو الطغيان بغية تحديد الأوضاع والمتغيرات التي تفضي إلى التحكم المدني بالقوات المسلحة. وفكرة الانتقال والـ "ما بعد" تحكم الكتاب وتنظّمه وتحدد أقسامه: ما بعد الحرب، ما بعد الدكتاتورية، ما بعد تحول الدولة. وهذه المقولة الأخيرة تجمع تجارب كثير من دول ما بعد الاستعمار في العالم النامي إلى تجربة ألمانيا ما بعد التوحيد وتجربة جنوب أفريقيا ما بعد الفصل العنصري.

يرسم الكتاب الخطوط العامة لمشكلة العلاقات المدنية العسكرية الديمقراطية، ويشرح كيف ينبغي أن تكون في ديمقراطيةٍ راسخة، ما يجعله شديد الفائدة للباحثين في الديمقراطية وممارسيها. ولعلّه يحلّ محلّ كتاب هنتغنتون الكلاسيكي بصفته منطلقاً لأولئك الذين يسعون إلى فهم العلاقات المدنية العسكرية الديمقراطية اليوم.

المساهمون