"الجسد الراقص كإشكالية": الفن بأدوات علم الاجتماع

"الجسد الراقص كإشكالية": الفن بأدوات علم الاجتماع

13 ديسمبر 2018
(من أعمال توفيق ازديو)
+ الخط -

عادة ما تُحصر دراسة الفنون الأدائية، كالمسرح والرقص، في أدوات ثابتة، تقوم على تقصّي البعد الجمالي أو الأسلوبي أو العلاقة مع النص ضمن رؤية تبدو غالباً منغلقة على مفردات الفن لا غير، وبالتالي قلما نجد تطبيقاً لمقولات ميادين معرفية كبرى عليها.

في كتاب "الجسد الراقص كإشكالية" (منشورات "فضاء آدم"، 2018)، يستدعي الباحث المغربي ياسر بلهيبة (1976) أدوات علم الاجتماع لفهم تجربة الكوريغرافي توفيق ازديو.

في حديث إلى "العربي الجديد"، يقول بلهيبة: "اعتمدت على أدوات سوسيولوجيا الجسد، وهو حقل جديد من الحقول المعرفية، وفيه عودة إلى مقولة المفكر الفرنسي موريس ميرلوبونتي "الجسد أداة لفهم العالم"، فبعد أزيد من أربعة قرون من هيمنة التفكير العقلاني على المعرفة الإنسانية، ثم ترسيخ حداثة تقوم على نموذجية الغرب، وانتصار العقل على الجسد، فتحوّل الأخير إلى مجرّد آلة بيولوجية ميكانيكية، تُسوّق كمنتوج استهلاكي، ما أفقد الجسد حميميته ومعطاه الاجتماعي".

يضيف: "العمل يطرح إشكالية الجسد من خلال الرقص المعاصر في العالم العربي، كحالة تمرّد الجسد، وتخبّطه بين الأنا الفردية والجماعية، بين المقدس والمدنس، كما نتناول فيه إشكالية الجسد الواقعي والافتراضي الذي بات مهيمناً في حياتنا اليومية".

حول تبلور فكرة هذا العمل، يقول: "جرى ذلك ضمن لقاءات مع الكوريغرافي توفيق ازيديو انتهت بالاتفاق على بلورة مشروع دراسي حول علاقة الجسد بالرقص في العالم العربي، وقد احتضن المشروعَ "المهرجانُ الدولي للرقص المعاصر" في مراكش من خلال جمعية "نمشي"". يشير بلهيبة إلى أن العمل كان مغامرة سوسيولوجية، بالنظر إلى قلة المراجع وندرة الكتابات العربية، إضافة إلى أن الرقص العربي المعاصر لا زال يتلمس طريقه وفلسفته الخاصة.

ينطلق العمل، بحسب بلهيبة، من تعريف عالم الاجتماع الفرنسي دافيد لوبروتون في مؤلفه "سوسيولوجيا الجسد" بأنه موقع التوتر الهوياتي، فهو ذاكرتنا الحركية والرمزية، وهو مرآة حياتنا اليومية بتفاصيلها الدقيقة.

من هنا، يعتبر محدّثنا أن "الفكرة الرئيسية للعمل تكمن في إعادة الاعتبار للجسد، عبر الدراسة السوسيولوجية، وإذا كان الآخر (الغرب) يرى في جسدنا مجرّد كتلة لحم، يسودها التخلف والتقاعس والاتكالية، فإن محاولاتنا ترمي إلى نزع القداسة على رؤية الآخر للجسد العربي، من خلال إبراز مخزونه الثقافي والاجتماعي، كما تنفي الرؤية الاختزالية الغيرية، فهذا الجسد المطمور في هامشيته، غني بديناميته الجماعية، وخصوبة مجاله الجغرافي والبيئي، وبدل أن يتحول الجسد العربي إلى يافطة إشهارية فلكلورية سياحية، نعمل على إبراز أهمية مخزونه العاطفي والحركي في بيداغوجية التواصل الجسدي".

المساهمون