"الثقافة تقاوم".. والرقابة أيضاً

"الثقافة تقاوم".. والرقابة أيضاً

19 نوفمبر 2014
من "الأكثرية الصامتة تتكلم"
+ الخط -

في لبنان الذي بالكاد تخلو نشرات أخباره اليومية من استخدام كلمة "مقاومة"؛ لم تتورع السلطات الأمنية فيه مؤخراً عن تكدير صفو احتفالية سينمائية مميزة تحمل بدورها عنوان "الثقافة تقاوم". حيث اصطاد مقص الرقيب المحلي هذه المرة فيلم "الأغلبية الصامتة تتكلم" (2010)، للمخرجة الإيرانية باني خوشندي.

وبالنظر إلى أن الشريط يتناول بالتفصيل أحداث "الثورة الخضراء" التي اندلعت في عام 2009 احتجاجاً على بقاء الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد في السلطة لولاية ثانية؛ فقد حار مسؤول "الأمن العام" فيما يجب عليه حذفه من مشاهد الفيلم، ليقرر أخيراً منعه بالكامل، حرصاً منه على مشاعر "الدولة الأجنبية" التي تجرأ العمل على "المساس" بها و"إهانتها"، وفق حرية تعبير الرقيب إياه.

المنع الذي يبدو محاباة سياسية لأطراف لبنانية بعينها تتخذ من توجهات تلك "الدولة الأجنبية" بوصلة عمل لها؛ أثار كثيراً من الحنق والإحباط في أوساط روّاد المهرجان، والذي ما كان من أحدهم إلا أن بادر بالاحتجاج لدى تيّقنه من إلغاء العرض قائلاً: "لماذا لا يريدون لنا أن نعرف أكثر عن إيران، البلد الذي يتغنون بحبّه على مدار الساعة".

ويشكل شريط باني خوشندي (1977) وثيقة تسجيلية تشهد على الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي عمّت إيران تنديداً بالتزوير الذي طال انتخابات الرئاسة هناك قبل 5 سنوات. الانتخابات التي أطالت من عمر سلطة الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد على حساب مرشح الإصلاح في حينه مير حسين موسوي. ووجّه المرشد الإيراني علي خامنئي، الذي وصف نتائج التصويت المعلنة بأنها "تقييم إلهي"، قوات الحرس الثوري حينها لقمع التظاهرات التي أُحرقت في بعضها صور الخميني وخامنئي نفسه، إضافة إلى نجاد، ما أدى في النهاية إلى سقوط عشرات القتلى، وأضعاف ذلك من المعتقلين والمفقودين في صفوف المعارضين.

ويستمدّ الفيلم مادّته البصرية الأساسية من آلاف الصور ومقاطع الفيديو التي تمكّن المحتجون من التقاطها بواسطة كاميراتهم وهواتفهم الجوالة، فاضحين حملات القمع المنظمة التي شنّتها السلطة الحاكمة ضد المدنيين. وسرعان ما أصبحت هذه المادة "الشعبية" بفضل "تويتر"، و"فيسبوك"، و"يوتيوب"، والمدونات الشخصية، مصدراً إعلامياً أساسياً لا غنى عنه لمعرفة حقيقة ما يجري في العاصمة ومدن إيرانية كبرى أخرى، ووسيلة لخرق ستار التعتيم الإعلامي الرسمي، وسديم غازاته المسيلة للدموع.

ورغم اتكاء الشريط (93 دقيقة) على مادة أرشيفية استعان بها لوضع الحدث "الثوري" الأخضر في سياقه التاريخي المحلي، لكنّ الفيلم يُعدّ مع ذلك احتفاء سينمائياً بصحافة المواطن التي ستصبح، بعد أقل من سنتين من الغضب الشعبي الإيراني؛ زاد الغضب الشعبي العربي من تونس إلى سوريا، مروراً بمصر وليبيا واليمن والبحرين.

بل إنّ صورة "بوعزيزي" التونسي تجد لها مقابلاً توثيقياً في التسجيليات "الخضراء" في صورة الطالبة ندا آغا سلطان (27 عاماً)، التي قتلت أثناء مشاركتها في مظاهرة في طهران على يد الحرس الثوري، وأصبحت لاحقاً رمزاً ثورياً (لُقبّت بصوت وملاك إيران). وذلك بعد انتشار فيديو مقتلها الذي يرصد لحظاتها الأخيرة إثر تلقيها الرصاصة التي أردتها، قبل أن تنفر الدماء من فمها وأنفها مغذية بركة الدم حول رأسها على الأرض، رغم محاولات من حولها وقف نزيف إصابتها.

وكان من المفترض أن يعرض شريط خوشندي ضمن النسخة الثانية من مهرجان "الثقافة تقاوم" الذي تنظمه المخرجة اللبنانية جوسلين صعب على مدى ستة أيام (اختتم أمس الأول) ويستضيف 34 فيلماً روائياً ووثائقياً، من 11 بلداً في آسيا وحوض المتوسط. من بينها "لا فوز دورميدا" للإسباني بنيتو زامبرانو، و"سبع أرواح" للتونسيين ليليا بليز وأمين بوفايد، و"ثورة الزنج" للجزائري طارق تقية، و"قصة الشباب القاسية" للياباني ناجيزا أوشيما.

دلالات

المساهمون