19 نوفمبر 2023
"البيارتة" واللندنيون
"البيارتة" واللندنيون
ملصقات لمرشحين في الانتخابات البلدية في بيروت (29 إبريل/2016/Getty)
على وقع الكلام الكثير الذي راج، في الأيام الماضية، حول المعركة الانتخابية القائمة في العاصمة البريطانية، لندن، كان يمكن رسم صورة متخيلة لليوم الانتخابي والحماس الذي من المفترض أن يكون قائماً في الشوارع اللندنية. صورة هي بمثابة إسقاط لتجاربنا الانتخابية العربية، القليلة نسبياً، والقائمة بشكل أساسي على حالة الاستنفار الذي تعيشه المدن، قبل أيام من الانتخابات واللافتات، التي ترفع في كل ركن من أركان الأحياء، والمندوبين الذين يجولون على المنازل لحشد الناخبين. لكنّ أياً من هذه المشاهد لم يكن حاضراً في يوم الاقتراع، أول من أمس الخميس. لم يكن هناك أثر على الإطلاق لأية فعالية، تنبئ بأن لندن تعيش حالة انتخابية حامية الوطيس، تتداخل فيها العوامل السياسية والدينية، ربما للمرة الأولى. لا لافتات، لا مندوبين، ولا تجمعات أمام مراكز الاقتراع، المجهولة أصلاً أو المنزوية.
الحالة تقود تلقائياً إلى مقارنة، من المؤكد ستكون مجحفة، لما هو عليه الوضع اليوم في لبنان، وتحديداً في العاصمة بيروت التي تشهداً غداً الأحد انتخاباتٍ بلدية أيضاً. لكن، على عكس الحالة البريطانية، وبحسب ما يرد من صور وشرائط مصورة من بيروت، فإن العاصمة اللبنانية تعيش حالةً من الغليان والمهرجانات الشعبية والذبائح في التحشيد لمعركة، محسومة سلفاً في ظل تحالف كل الأطياف السياسية في لائحةٍ واحدة، في مواجهة محاولات تشكيل خيار مختلف من مجموعة من الناشطين الذين يأملون تسجيل حضور، أو تكريس صوت مختلف قد يكبر مع الأيام.
لا تقف الحالة المعاكسة عند هذا الحد، بل تشهد مفارقة محورية، أو بالأحرى مجموعة من المفارقات، تمثل البين الشاسع في الوضعين العربي والغربي. الأول هو في التقسيم الديني والمذهبي القائم لبنانياً، حتى عربياً بشكل عام. فبحسب توزيع المقاعد في أية انتخابات لبنانية، والبلدية منها، يتم حفظ حصص لكل الطوائف والمذاهب، وأي خلل في هذه الحصص يهدّد السلم الأهلي الهش أساساً في لبنان. وعلى هذا الأساس، تم إلغاء الاقتراع في بعض المناطق التي تشهد غلبة طرفٍ على آخر، لإبقاء الوضع على ما هو عليه. هذا هو الحال في لبنان، في وقت شهدت فيه لندن تنافساً بين مرشحيْن لا ينتميان إلى الطائفة الأكبر في البلدين، بل إلى ما يمكن اعتبارهما أقليات دينية في بريطانيا، فمرشح حزب العمال مسلم، فيما مرشح المحافظين يهودي. لم يثر الأمر أزمة وجودية بين اللندنيين، أو بين المسيحيين في لندن، ولم يُنظر إليه على اعتبار أنه مساس في حصص الطائفة الغالبة في البلاد، أو مكتسباتها، على الرغم من أنه تم اللعب على الوتر الديني للمرشحين من نواح سياسية وليس أيديولوجية.
المفارقة الأخرى، والتي لا تقل أهمية عن سابقاتها، هي في شعار رفعته في بيروت لائحة "البيارتة" المدعومة من حيتان السياسة في البلاد، بأطيافهم كافة. الشعار يقول "بيروت للبيارتة"، أي لأبنائها الأصليين فقط. بغض النظر عن تعارض الشعار مع مفهوم العواصم في العالم، فإنه يحمل عنصرية مبطنة ضد من يعيشون في المدينة منذ عشرات السنين. عنصرية من شأنها زيادة الشقاق القائم بين أبناء البلد، والذي يجعل التعايش بينهم مستحيلاً. من الممكن تخيّل رفع مثل هذا الشعار في لندن، والذي سيؤدي حتماً إلى إقصاء المرشح العمالي، ذي الأصول الباكستانية. فوفق مفهوم "البيارتة"، لا يهم كم عشت في المدينة أو ماذا قدمت لها، أو حتى لو كنت مولوداً فيها، طالما أنك لست من أبناء المدينة "الأصليين".
بين انتخابات لندن وبيروت يمكن سرد مزيد من المفارقات الأخرى، لكن كلها ستؤدي إلى واقع واحد يؤشر إلى السنوات الضوئية الفاصلة سياسياً واجتماعياً بين الغرب الأوروبي تحديداً، والشرق العربي عموماً.
الحالة تقود تلقائياً إلى مقارنة، من المؤكد ستكون مجحفة، لما هو عليه الوضع اليوم في لبنان، وتحديداً في العاصمة بيروت التي تشهداً غداً الأحد انتخاباتٍ بلدية أيضاً. لكن، على عكس الحالة البريطانية، وبحسب ما يرد من صور وشرائط مصورة من بيروت، فإن العاصمة اللبنانية تعيش حالةً من الغليان والمهرجانات الشعبية والذبائح في التحشيد لمعركة، محسومة سلفاً في ظل تحالف كل الأطياف السياسية في لائحةٍ واحدة، في مواجهة محاولات تشكيل خيار مختلف من مجموعة من الناشطين الذين يأملون تسجيل حضور، أو تكريس صوت مختلف قد يكبر مع الأيام.
لا تقف الحالة المعاكسة عند هذا الحد، بل تشهد مفارقة محورية، أو بالأحرى مجموعة من المفارقات، تمثل البين الشاسع في الوضعين العربي والغربي. الأول هو في التقسيم الديني والمذهبي القائم لبنانياً، حتى عربياً بشكل عام. فبحسب توزيع المقاعد في أية انتخابات لبنانية، والبلدية منها، يتم حفظ حصص لكل الطوائف والمذاهب، وأي خلل في هذه الحصص يهدّد السلم الأهلي الهش أساساً في لبنان. وعلى هذا الأساس، تم إلغاء الاقتراع في بعض المناطق التي تشهد غلبة طرفٍ على آخر، لإبقاء الوضع على ما هو عليه. هذا هو الحال في لبنان، في وقت شهدت فيه لندن تنافساً بين مرشحيْن لا ينتميان إلى الطائفة الأكبر في البلدين، بل إلى ما يمكن اعتبارهما أقليات دينية في بريطانيا، فمرشح حزب العمال مسلم، فيما مرشح المحافظين يهودي. لم يثر الأمر أزمة وجودية بين اللندنيين، أو بين المسيحيين في لندن، ولم يُنظر إليه على اعتبار أنه مساس في حصص الطائفة الغالبة في البلاد، أو مكتسباتها، على الرغم من أنه تم اللعب على الوتر الديني للمرشحين من نواح سياسية وليس أيديولوجية.
المفارقة الأخرى، والتي لا تقل أهمية عن سابقاتها، هي في شعار رفعته في بيروت لائحة "البيارتة" المدعومة من حيتان السياسة في البلاد، بأطيافهم كافة. الشعار يقول "بيروت للبيارتة"، أي لأبنائها الأصليين فقط. بغض النظر عن تعارض الشعار مع مفهوم العواصم في العالم، فإنه يحمل عنصرية مبطنة ضد من يعيشون في المدينة منذ عشرات السنين. عنصرية من شأنها زيادة الشقاق القائم بين أبناء البلد، والذي يجعل التعايش بينهم مستحيلاً. من الممكن تخيّل رفع مثل هذا الشعار في لندن، والذي سيؤدي حتماً إلى إقصاء المرشح العمالي، ذي الأصول الباكستانية. فوفق مفهوم "البيارتة"، لا يهم كم عشت في المدينة أو ماذا قدمت لها، أو حتى لو كنت مولوداً فيها، طالما أنك لست من أبناء المدينة "الأصليين".
بين انتخابات لندن وبيروت يمكن سرد مزيد من المفارقات الأخرى، لكن كلها ستؤدي إلى واقع واحد يؤشر إلى السنوات الضوئية الفاصلة سياسياً واجتماعياً بين الغرب الأوروبي تحديداً، والشرق العربي عموماً.