"البوليساريو" تدق طبول الحرب بزمن كورونا

"البوليساريو" تدق طبول الحرب بزمن كورونا

24 اغسطس 2020
ليست المرة الأولى التي تلوح فيها الجبهة بالحرب (Getty)
+ الخط -

عادت جبهة البوليساريو للتلويح بحمل السلاح ضد المغرب، وذلك بالتزامن مع توجيه نداء لحمل شبابها على التجنيد، ما يثير أكثر من علامة استفهام حول دوافعها، في ظل حالة الترقب التي تعيشها كافة الأطراف، منذ استقالة المبعوث السابق هورست كوهلر في مايو/أيار 2019.
وفي الوقت الذي تدرك فيه "البوليساريو" أنّ الظرف الدولي الحالي، المتسم بانشغال القوى الدولية بمكافحة جائحة كورونا وتداعياتها، وأنّ التعقيدات الإقليمية والدولية الراهنة لا تسمح بأي تغيير قد يفضي إلى زعزعة الأمن والسلم الدوليين، فقد كان لافتاً تأكيد مسؤول أمانة التنظيم السياسي لجبهة البوليساريو، خطري آدوه، خلال مشاركته في "الجامعة الصيفية للأطر الشبابية وأمناء الفروع التلاميذية"، أمس الأول السبت، أن "الحرب منفذ إجباري لا بد منه، وهو الرهان الذي يجب على كل صحراوي إدراكه والاستعداد له من الآن، من خلال الإرادة في التحرير والتضحية".

امتناع الشباب عن التطوع في الأنشطة العسكرية قد يجبر الجبهة على فرض التجنيد الإجباري

وليست المرة الأولى التي تلوّح فيها الجبهة بالعودة إلى الحرب ضد المغرب، إذ كانت قيادتها قد أطلقت تهديداً، في يوليو/تموز الماضي، من خلال رسالة وجهتها إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، بإعادة النظر في مشاركتها بعملية السلام التابعة للمنظمة الأممية، مع ما يعنيه ذلك من عودة إلى مرحلة ما قبل وقف إطلاق النار. كما برز في فبراير/شباط الماضي تهديد آخر للجبهة، بعد أن صرح "سفيرها" في الجزائر عبد القادر طالب عمر بأن "جمود ملف الصحراء والفراغ الأممي يدفعان الجبهة إلى تبني العمل المسلح"، معتبراً أنه "لم يعد أمامهم سوى التصعيد، واستعمال كل الوسائل، بما في ذلك العمل المسلح، في حال فشل كل الحلول السياسية".
وعلى امتداد السنوات الماضية، كشف الواقع أنّ "البوليساريو" تلجأ إلى التهديد والتلويح بشكل أكبر بورقة الانسحاب من عملية السلام وإشعال فتيل الحرب بالمنطقة، من أجل تحريك المسار الأممي، خصوصاً في ظلّ الظروف الأمنية والسياسية التي تمرّ بها المنطقة جراء الأزمة الليبية، وما تعيشه منطقة الساحل من مواجهة مع الجماعات الإرهابية.

ويبقى لافتاً أن التلويح بالعودة إلى حمل السلاح، جاء بالتزامن مع إطلاق قيادة الجبهة نداء جديداً لحمل شبابها على التجنيد، بعد تسجيل عزوفهم منذ مدة عن الإقبال على التجنيد والصراعات التي تود القيادة خوضها. ودعا الأمين العام لاتحاد شبيبة الساقية الحمراء ووادي الذهب، محمد سعيد دادي، في كلمة خلال انطلاق أعمال "الجامعة الصيفية للأطر الشبابية" ببلدة تفاريتي، الأربعاء الماضي، "المشاركين، من أطر الفروع الشبابية والتلاميذية، إلى تدعيم النواحي العسكرية من خلال الانخراط في صفوف جيش الجبهة".


الفاتحي: العقيدة العسكرية لجبهة البوليساريو لم تعد تقنع أحداً

وتأتي الدعوة الجديدة لحمل الشباب للسلاح، بعد إقرار زعيم الجبهة إبراهيم غالي، في يوليو/تموز 2019، بالصعوبات، التي باتت تواجهها في تجنيد الشباب للحرب في الصحراء، وامتناعهم عن التطوع، ملوحاً بالتوجه نحو إرغامهم من أجل محاربة المغرب، على اعتبار أن الحرب "خطوة إجبارية" ويجب أن يبدأ الاستعداد لها بفرض الخدمة العسكرية الإجبارية.
ورأى مدير "مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية" عبد الفتاح الفاتحي، أن "العقيدة العسكرية لجبهة البوليساريو لم تعد تقنع أحداً، بعد مسار طويل من المفاوضات دون إحراز تقدم لإيجاد تسوية سياسية لنزاع الصحراء"، معتبراً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "شباب الصحراء بات مقتنعاً بأن الحلول الواقعية والبراغماتية أقرب إلى طوباوية رؤية قيادات جبهة البوليساريو، التي باتت تعمل على تنفيذ أجندة جزائرية لتدبير توازن إقليمي مع المغرب". وقال إن "التصريحات التي أطلقتها قيادة الجبهة، خلال الجامعة الصيفية للأطر الشبابية، تؤكد أن هناك تراجعاً في إقبال الشباب على التجنيد ودعم الموارد البشرية للنواحي العسكرية، التي توقفت أنشطتها، إلا من بعض الأنشطة في مناسبات محدودة"، مشيراً إلى أن "امتناع الشباب عن التطوع في الأنشطة العسكرية، قد يجبر الجبهة على فرض التجنيد الإجباري".
ولئن كان النداء الجديد لقيادة "البوليساريو" لحمل شبابها على التجنيد، ينسجم مع تجديد خطاب التهديد بالعودة إلى حمل السلاح ضد المغرب، إلا أنه، وفق الفاتحي "يبقى خطاباً غير واقعي، في ظل تراجع الكوادر البشرية العسكرية للجبهة، وكذا إمدادات الدعم المالي، بالنظر إلى الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه داعمتها الجزائر". وأعرب عن اعتقاده أن التصريحات التي أطلقها قياديون في جبهة البوليساريو "تعكس ارتباكاً لا يتناسب مع خطاب تهديد الجبهة بالعودة إلى حمل السلاح"، لافتاً إلى "أنها تحاول اليوم، جاهدة الإبقاء على الضغط بالورقة العسكرية والأمنية في منطقة الساحل والصحراء". وقال إن "تهديد الجبهة بالعودة إلى حمل السلاح، وإقامة مناورات عسكرية باستعمال الذخيرة الحية، وتوتير طريق التجارة الدولية بمنطقة الكركرات، لم يسعفها في فرض مقاربتها لإيجاد تسوية سياسية لنزاع الصحراء، وهو ما زاد من فقدان الشباب الثقة في توجهاتها، فحصل عزوف عن المشاركة في القتال، ما دفع قيادتها إلى التهديد بإمكانية فرض القتال على الشباب الصحراوي". وتوقع الفاتحي أن "يزيد ذلك من حالة الاحتقان الاجتماعي بين القيادة والقاعدة داخل مخيمات تندوف، لا سيما أن شباب الجبهة يئسوا من الخطابات السياسية الجوفاء"، لافتاً إلى أن "من شأن ذلك أن يفاقم الوضع السياسي ويفجر الوضع داخل المخيمات على الأمد المنظور".