"الباشا" و"آخر الليل": كسل ثمّ ملل

"الباشا" و"آخر الليل": كسل ثمّ ملل

03 يونيو 2019
رشيد عساف وجيهان خمّاس في "الباشا" (فيسبوك)
+ الخط -
مثل بطن كبير، صارت الفضائيات العربية تأكل ولا تشبع. لا تجد كفايتها من المسلسلات، على وجه الخصوص في شهر رمضان، شهر الدراما بامتياز. لكن الغريب هذا العام هو عرض مسلسلات قبل رمضان، ثم خلق جزء ثان منها لإقحام العمل في حلبة الصراع على كسب المشاهدين. 

إذ كانت العادة خلال العقود السابقة أن يتم اختراع دراما خاصة برمضان، تولد من الصفر لتعرض طيلة 30 يوماً. لكن هذه المّرة جُلب عملان من خارج الدائرة وتمّ سحبهما إلى السياق الرمضاني. ببساطة عمل صنّاعه رفقة شركة الإنتاج على مط تلك الدراما وخلق أحداث وشخصيات من الهواء، كي تبقى قادرة على الاستمرار لشهر إضافي. في هذا السياق نعرض هنا تجربة مسلسلَين لبنانيين عرضا في رمضان الحالي، هما "الباشا"، و"آخر الليل".

الباشا
تبدو الإشكالية الأولى في هذا العمل أنه مأخوذ عن قصة أجنبية. هذا ما تذكره شارة المسلسل من دون أية تفاصيل إضافية عن هوية هذه "القصة الأجنبية"، جنسيتها أو حتى اسم كاتبها. وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام إمكانية بناء أحداث وتطورات على أنقاض القصة الأساسية، واختراع شخصيات لعلّها تٌساهم في مط العمل من الجزء الأول وصولاً إلى الجزء الثاني. بل إنّ هناك أخباراً تجزم أن "الباشا" سوف يمضي إلى جزء ثالث بعد شهر رمضان.

أما الإشكالية الثانية فتكمن في دور بطل العمل نفسه، إسماعيل الباشا (رشيد عسّاف). مُعضلة كبيرة في تاريخ هذا الفنّان الشهير: فبعد كل هذه السنوات في تاريخ الدراما لا يزال يفهم أن أدوار الشر لا تتمّ إلا بالصراخ والعيون المفتوحة. يحصل كل هذا الانفعال في مساحة محدودة، في "ضيعة" مجهولة، فيها عدد قليل من السكان، يمارس عليهم قسوته وجبروته.
لكن الجبروت لا يمكن أن يكون صادقاً في مثل هذه الظروف التي عرضها "الباشا". تمثيل الشر موهبة، ولا يكفي اصطناع الدور كي يصل إلى المشاهد. أدوار الشر لا تأتي بهذه البساطة. فبإمكان أي متابع للعمل أن يلاحظ أن العناصر البديهية من أجل إنجاز صورة زعيم المافيا القادر على عكس هيبته على الناس، قد ضاعت. كأن ذلك "الباشا" لم يُشاهد أدوار توفيق الدقن ومحمود المليجي وعادل أدهم. بل كل ما يفعله هو إمساك عصاه وضرب كل من يعارضه.

وفي النهاية يبدو "الشرير" جبّاراً على عدد من الضعفاء، لا يجيدون حتى تأدية أدوار الضعف. كأن تأدية الأدوار الضعيفة كانت بالتناوب بين الطرفين: البطل والأدوار الثانوية.
أما في كتابة السيناريو، فتبرز مشكلة أخرى، وهي إصرار العمل على إهانة النساء. حالة مُفرطة في ذكوريتها وبطل يعتبر أي امرأة أمامه، سهلة الخضوع، يمكنه وضعها تحت جناحيه من دون أي اعتراض. يحدث هذا حتى مع المرأة الواقعة في حب ابنه وحيد (أنور نور)، الذي يغرم بدوره بشوكت (جيهان خمّاس). وهي الشخصية الوحيدة التي ستعمل على إهانة الباشا طوال حلقات العرض.

في الجهة المُقابلة تظهر مسألة مُساعدة لمد الحلقات حتى تصل إلى مستوى الجزء الثالث. اختراع قصص الأبناء مجهولي النسب. ومنهم صابر (عبدو حكيم). من هذه القضية تحديداً تبدو الأرضية خصبة لاختراع الجزء الثالث فتدور الحلقات المقبلة حوله.


آخر الليل
حكايات الأبناء المجهولين تبدو الطريق الأسهل والأقل إبداعاً من أجل اختراع أجزاء جديدة من أي عمل لبناني تماماً كما يحصل في المسلسلات المكسيكية. إذ نجد المشكلة نفسها في مسلسل "آخر الليل".

كان الإعلان التمهيدي للجزء الأول من المسلسل (الذي عؤض قبل رمضان) لافتاً. ظهر إبداع الشاب صلاح (محمّد الأحمد) الذي لا يعرف أباه ويقضي حياته معاتباً والدته. هذه الحبكة البسيطة نجحت في جذب المشاهدين. في الحلقات العشر الأولى بدا أن العمل منتج بشكل جيد ومتماسك، مع قدر مقبول من التشويق، إلى جانب أداء بإيقاع مضبوط للممثلين، وتصاعد درامي مشغول بحبكة معقولة. لكن يحصل أن ينهار كل هذا المجهود على نحو مفاجئ.
فقبل وفاة الأب (المجهول) الذي يلعب دوره جورج شلهوب، يعترف بابنه، يعطيه اسمه ونسبه. لكن لم تنته الحبكة هنا. بل ظهرت قصة أخرى، أكثر ركاكة، وأقل إقناعاً. يكتشف المشاهد وجود ابنة أخرى فقيرة، لم يعترف بها الأب. فتنال هي الأخرى حقها في معرفة هوية والدها الراحل، وتذهب لتعيش في قصره، بدل شقيقتها التوأم الغنية، التي فصلت عنها. بينما تذهب الشقيقة الثرية لتعيش حياة أختها الفقيرة.

مسألة تبديل السكن والحياة بين الشقيقتين، تضعف القصة بشكل كبير. إذ يمكن أن يكون هناك تطابق شبه كامل في الشكل والصوت، لكن إلى درجة ألا يلحظ كل الأفراد المحيطين بالفتاتين بأي تغيير؟ يبدو ذلك مبالغاً فيه، بشكل منفّر. إذ يصل التماهي المفترض إلى حد خيالي يصعب تصديقه، فيمارس شاب الجنس مع إحدى الشقيقتين وهو معتقد انها الأخرى، من دون أن ينتبه إلى الفرق بينهما.

تشتبك مصائر شخصيات المسلسل، والعلاقات، فيميل ابن إلى عشيقة والده، تميل فتاة إلى أخ شقيقها، تعقيدات يبدو أنها صنعت بكسل وعلى عجل لمطّ المسلسل، وخلق حبكات وعقد، تساعد على تصوير حلقات إضافية، من دون تقديم أي محتوى درامي عقلاني أو منطقي أو واقعي.


أسطوانة تدور
على هذه الحالة تدور أعمال الدراما اللبنانية. محاولة كسب أجزاء بأي شكل كان. كأنه بات من المستحيل الحصول على نصوص جديدة، والاكتفاء باستثمار النصوص التي نجحت في جزئها الأول.

دلالات

المساهمون