"الاقتصاديات الثقافية": الإبداع كنمط استهلاكي

لا يقتصر الاهتمام بـ اقتصاد الثقافة بتحقيق إيرادات مالية للصناعات الإبداعية، إنما يتجاوزه وفق بعض توجّهاته إلى تطوير خطط التنمية التي كانت تعتمد سابقاً على الصناعة والزراعة والتجارة وغيرها من القطاعات بشكل أساسي.

من النماذج التي تُستحضر في هذا المجال، أعمال شكبير مثلاً الذي يشكّل مصدر دخل لآلاف الناشرين وأصحاب المكتبات والمسرحيين والسينمائيين ومصمّي التذكارات والإعلانات وغيرهم بعد مرور أكثر من أربعمئة عام على رحيل الشاعر الإنكليزي.

"الاقتصاديات الثقافية" عنوان الكتاب الذي يصدر قريباً للباحثة في الاقتصاد الحضري بـ"جامعة دورتموند التقنية" كريستيان هيلمانزيك عن "منشورات جامعة كولومبيا"، والتي تدرس تأثيرات الإنتاج الإبداعي والتجارة الرقمية المتعلّقة بالابتكار وأسواق الفن ومزاداته.

تحلّل المؤلّفة مساهمة ودور الصناعات الثقافية ومنتجاتها وخدماتها في الاقتصاد العام من خلال التركيز على أشكال متعدّدة منها، من فنون الأداء إلى التلفزيون، ومن الإنترنت إلى اللوحات الفنيّة وعالم النشر، ودراستها سواء كانت سلعاً أو خدمات عامة وخاصة، وما تتمتّع به من حقوق الملكية عند إصدارها، حين يتمّ استهلاكها، وإنشاؤها، وبيعها في المزاد، ودور التطوّر التكنولوجي في توسّع حضورها.

وتكشف هيلمانزيك عن تعقيد القضايا المطروحة التي لا تزال تعتمد على منهج تجريبي غالباً، من خلال تناول العديد من الحالات موضع الدراسة، والإضاءة على التحديات التي تمثّلها كلّ صناعة إبداعية، والموضوعات التي تتصل بالطلب على الثقافة كمنتج والاستثمار فيها، وتأثير العولمة والشبكة العنكبوتية على الأسواق والنماذج الصناعية.

تقسّم الباحثة كتابها إلى تسعة أبواب، هي: مقدمة في الاقتصاد الثقافي، والأسواق والأسعار والوكلاء، والمجتمع والثقافة، والطلب على الثقافة، والفنانون والنجوم والإبداع، والجودة في الفنون والثقافة، وتنظيم الصناعات الثقافية، وتأثير الإنترنت، والعولمة.

وكانت هيلمانزيك قد أصدرت كتاباً بعنوان "الفنانون المعاصرون البارزون: محدّدات الإبداع" عام 2004، ناقشت فيه قضايا عدّة مثل موقع الفنان على خارطة الفن، وانتمائه الفني، والسياق المؤسّسي الذي يتمّ فيه الإبداع، ووظيفة الفنان مع تطوّر أسواق الفن وشكل المزادات العالمية.