"الاتفاق الغامض" لبوتين وبوروشينكو... لعبة من ألاعيب كييف؟

"الاتفاق الغامض" لبوتين وبوروشينكو... لعبة من ألاعيب كييف؟

04 سبتمبر 2014
تحركات للقوات الأوكرانية تشي بانسحابها من دونيتسك ولوغانسك(فرانس برس/Getty)
+ الخط -

فاجأ الجميع الإعلان، أمس الأربعاء، عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني بيوتر بوروشينكو. فما الذي دفعهما إلى هذه الخطوة العاجلة، التي يبدو أن الكرملين لم يشاور فيها قادة الأقاليم الانفصالية؟

في البدء، تم الإعلان عن اتفاق تم التوصل إليه خلال محادثة هاتفية بين بوتين وبوروشينكو على وقف دائم لإطلاق النار في دونباس، كما جاء في الخبر الأول الذي أعلنته وكالة "إنترفاكس" الروسية، والذي تم تدقيقه تالياً. فعلى الموقع الرسمي للرئيس الأوكراني بيوتر بوروشينكو ورد التالي: "بنتيجة المحادثة (مع بوتين) تم الاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار في دونباس. وقد تم الوصول إلى الاتفاق بفضل خطوات متبادلة من الطرفين، من شأنها أن تؤدي إلى إعادة السلام"، إلى الإقليم.

إلا أنه لم يطل الوقت حتى أعلن عن توضيح من مكتب الرئاسة الأوكرانية الصحافي يعدّل الإعلان السابق ويلغي منه تعبير "سلام دائم". ونصّ التوضيح على أنه "بنتيجة الحديث، حصل الاتفاق على نظام لوقف إطلاق النار في دونباس. وتم الوصول إلى تفاهم متبادل حول الخطوات التي من شأنها أن تحقق السلام".

من جهته، صحح الكرملين تصريح بوروشينكو، فقال المتحدث الصحافي باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، في لقاء مع إذاعة "كوميرسانت إف إم" إن "الحديث يدور عن اتفاق على وقف إطلاق النار. بل الحديث يدور عن أن الرئيسين ناقشا خطوات محددة يمكن أن تؤدي إلى وقف إطلاق النار بين الميليشيات والجيش الأوكراني في جنوب شرقي البلاد". وأكد بيسكوف أن روسيا ليست طرفاً في النزاع الدائر في أوكرانيا، ومن ينبغي أن يتفق على وقف إطلاق النار هو طرفا النزاع الأوكرانيان.

واشنطن والانفصاليون لا يعرفون شيئاً

في ردة فعل على هذا الاتفاق المبدئي بين الرئيسين الروسي والأوكراني، صرّح الرئيس الأميركي باراك أوباما أثناء مؤتمر صحافي في تالين، عاصمة أستونيا، بأنه من السابق لأوانه الحديث عن وقف لإطلاق النار في أوكرانيا. وأضاف "لا يزال الوقت مبكراً للحديث عن أن هذا يعني السلام. فما رأيناه أخبار قصيرة ولم نر التفاصيل".

في المقابل، نقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن نائب رئيس حكومة جمهورية دونيتسك الشعبية أندريه بورغين، قوله إن "هذه لعبة ما من ألاعيب كييف. وهي بالنسبة لنا مفاجأة. تم اتخاذ هذا القرار من دون الرجوع إلينا". وأضاف: "إنه (القرار) غير قابل للتنفيذ، طالما أن القوات الأوكرانية موجودة على أرض جمهوريتنا. فشرط وقف إطلاق النار بالنسبة لنا لا يزال سحب القوات الأوكرانية من أراضي جمهورية دونيتسك الشعبية". ولكن بصرف النظر عن صحة خبر انسحاب القوات الأوكرانية من عدمه، هل لسلطات الجمهوريتين الانفصاليتين أن تخالف إرادة الكرملين؟

وسبق هذا التطور بساعات تسجيل تحركات للقوات الأوكرانية تشي بأنها تنسحب من مواقعها في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين. فقد نشرت وكالة "نوفوروسيا"، ليل الثلاثاء ـــ الأربعاء أن "جزءاً هاماً من وحدات الجيش الأوكراني وقوات الحرس القومي تم سحبها من جمهورية دونيتسك الشعبية. ويصعب علينا إلى الآن فهم المغزى الكامن وراء هذه التحركات".

من جهته، قال قائد كتيبة "آيدار" سيرغي ميلنيتشوك، لقناة "أوكرانيا 112" "نحن جنود، ننفذ أوامر قيادتنا، ونخضع للقرار المتخذ". وفي سؤال عما إذا كانت الكتيبة قد تلقت أية أوامر بوقف إطلاق النار، أجاب "لا، ليس بعد"، علماً بأن هذه الكتيبة المقاتلة تم تشكيلها في مايو/أيار الماضي لقتال الانفصاليين شرق البلاد.

بحثاً عن الأسباب

هل يكون ما تم تداوله عن تذمر شديد بين أهالي الجنود الأوكرانيين ويأس وذعر وسط العسكر وتحضير الجيش لميدان جديد يطيح بسلطة بوروشينكو سبباً في هذه الخطوة، أم أنها خطوة نحو إعادة تجميع القوات ودعمها لخوض معارك جديدة أكثر فتكاً، تحفظ ماء وجه كييف وجيشها؟

في هذا السياق، قال منسق مجموعة "المقاومة المعلوماتية" في كييف، ديمتري طيمتشوك، على صفحة المجموعة في "فيسبوك" إنه "إذا كانت قيادة قواتنا بالفعل تسحب الجيوش فقط تجنباً لعدم محاصرتها ولإعادة تجميعها، وهذه هي الرواية الرسمية، فإن ذلك ليس مأساة، إنما قرار ضروري".

يبرز تساؤل إضافي حول ما إذا كان الاتفاق يأتي لضرورة اقتصادية روسية، بعد تراجع الروبل خلال الأسبوع الأخير إلى رقم قياسي تاريخي في عهد بوتين، أمام الدولار واليورو، وارتفاع حاد في أسعار السلع الغذائية بعد العقوبات والإجراءات الروسية الجوابية.

ومن الجدير بالذكر أن مؤشرات البورصة الروسية ارتفعت مباشرة بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار. فوفقاً لموقع "نيوزرو.كوم" ارتفع مؤشر "ام ام في بي" بمعدل 2.62 في المائة ومؤشر"آر تي اس" بمعدل 4.06 في المائة.

وقد يكون من بين الأسباب، أيضاً، أن بوتين يناور أوروبا لكسب الوقت بعد إعلان مفوضة الشؤون الخارجية الجديدة في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موجيريني، أن روسيا لم تعد شريكاً، والتي فاجأت الكرملين.

وأيا تكن أسباب الاتفاق على وقف إطلاق النار، فهو يعيد الأمل إلى مئات آلاف الذين اضطروا إلى النزوح بعيداً عن ساحات القتال. فوفقا لأرقام المفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة، بتاريخ الثاني من سبتمبر/أيلول الجاري، تجاوز عدد المهجرين والنازحين من شرق أوكرانيا المليون شخص، من بينهم 260 ألفاً نزحوا إلى مدن أخرى داخل أوكرانيا، مقابل 814 ألفا لجأوا إلى روسيا. علماً بأن 60 ألف تلميذ أوكراني باشروا دراستهم في المدارس الروسية مع بدء العام الدراسي في الأول من سبتمبر، وفقاً لوكالة "إيتار تاس" الروسية.