"الإخوان" أميركياً: إرهابيون أجانب أم طابور خامس؟

"الإخوان" أميركياً: إرهابيون أجانب أم طابور خامس؟

05 مايو 2019
+ الخط -
سعى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في اجتماع مغلق مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في التاسع من الشهر الماضي (إبريل/ نيسان) إلى إقناع الأخير بالموافقة على تصنيف جماعة الإخوان المسلمين أميركياً منظمة إرهابية. ونقلت تقارير إعلامية أميركية عن ترامب أنه وجد المطلب منطقيا، وأنه وجّه مسؤوليه الأمنيين والدبلوماسيين للشروع في الإجراءات المؤدية إلى ذلك، ليعلن البيت الأبيض، في 30 إبريل/ نيسان، أن إدارة ترامب، بعد استشارة فريقه من الأمن القومي، وقادة المنطقة الذين يشاركونه قلقه، باشرت في الإجراءات الداخلية اللازمة.
ربما لا يصمد هنا استنتاج متعجّل مفاده بأن الاستعداد الذي أبداه ترامب للمضي في هذه الخطوة مردّه اقتناع ترامب بأفكار السيسي، إذ ما انفكّ الأخير، ومعه مسؤولون سعوديون وإماراتيون، يمارس كل ضغط ممكن على الإدارات الأميركية، وغيرها، لتصنيف "الإخوان" منظمة إرهابية. وسبق لإدارة الرئيس أوباما أن رفضت ذلك لأسباب سياسية وقانونية، وأعلنت وزارة الخارجية، بقيادة جون كيري، أن ليس هناك دليل على أن قادتها قد أمروا بشكل منتظم بهجماتٍ إرهابية. أما الحكومة البريطانية، وتحت ضغط خليجي في عام 2015، فحقّقت في مدى انطباق معايير المنظمة الإرهابية على جماعة الإخوان المسلمين، وخلصت إلى أن الجماعة على الرغم من استخدامها العنف بشكل انتقائي، وأحياناً الإرهاب في السعي إلى تحقيق أهدافها المؤسسية، ومع أن قادتها دافعوا عن هجمات حماس على إسرائيل، وبرّروا الهجمات 
على القوات الأميركية في العراق وأفغانستان، إلا أنها التزمت، بشكل أساسي، بالمشاركة السياسية بدلاً من العنف.
تزامناً مع الحظر المؤقت الذي فرضه ترامب على زوّار الولايات المتحدة الأميركية من سبع دول إسلامية، وُضعت فكرة تصنيف الجماعة على طاولة ترامب، في فبراير/شباط من عام 2017، إلا أن أنها لقيت اعتراضاتٍ من المسؤولين في وزارة الخارجية، ومجلس الأمن القومي، لافتقادها المبرّرات القانونية، وكونها غير عملية في حالة منظمة متشعبة متعدّدة الأوجه والمستويات، قد يمس الموقف منها بعلاقة الولايات المتحدة مع حلفائها.
وفي حال تم إقرار المقترح، فإن عقوبات اقتصادية سيفرضها البيت الأبيض على الشركات والأفراد الذين يتعاملون مع الجماعة، وحظر سفر لأعضائها الذين يبلغون الملايين في الشرق الأوسط. لكن إعلان البيت الأبيض، قبل أيام، أثار جدلاً بين واضعي السياسات من مختلف الإدارات، وتسبب في خلافٍ بين مسؤولي البيت الأبيض وموظفي وزارة الدفاع (البنتاغون). وعلى الرغم من أن مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، ووزير الخارجية مايك بومبيو، دعما هذه الخطوة، إلا أن موظفين في الأمن القومي، والبنتاغون، ووزارة الخارجية، تحفظّوا على الخطوة. وأثار محامون حكوميون، ومسؤولون دبلوماسيون، اعتراضات قانونية وسياسية، رأت أن جماعة الإخوان المسلمين لا تفي بالتعريف القانوني الدقيق لجماعة إرهابية. وهي، من الناحية العملية؛ تبدو حركة هلامية أقل تماسكاً وتحديداً، مع فروع في بلدان متعدّدة قد تستخدم مسمياتٍ أخرى، أو ترتبط مع التنظيم الأم عاطفياً وتاريخياً، أكثر من ارتباطها بها تنظيمياً وفعلياً. كما أن تصنيفها "إرهابية" لا يتناسب مع عديد من أحزاب سياسية تعتبر امتدادا للتنظيم في أماكن مختلفة، تجنبت العنف، ووصل بعضها إلى الحكم. لذلك، هناك عواقب سياسية وخيمة قد تنعكس على علاقة الولايات المتحدة مع دول حليفة، بما فيها تونس، والعراق، والكويت، والأردن. وفي ليبيا تعد الجماعة جزءًا من حكومة الوحدة (حكومة الوفاق الوطني) التي أقرتها الأمم المتحدة. ويتوقع المتحفظون على هذه الخطوة مزيدا من التوتر في العلاقات الأميركية التركية، إذ يعتبر الرئيس أردوغان حليفا قويا للجماعة في مصر، وقد رأى حزب العدالة والتنمية أن الخطوة الأميركية إن تمت، تعيق جهود إرساء الديمقراطية في الشرق الأوسط، وتوفّر دفعا للمجموعات المسلحة الأخرى في المنطقة.
هناك أيضا قلق من عواقب قد تترتب على أميركيين، ومنظمات إنسانية أميركية لها صلات 
بالجماعة، وتخشى منظمات حقوقية أن يوفر إقرار التصنيف ذريعة إضافية للسيسي لتبرير حملة قمعٍ أشد ضدّ خصومه. ولا يبدو أن تصنيف الجماعة إرهابية يرضي أيا من المؤسسات البحثية الأميركية، أو الخبراء المتخصصين بشؤون الجماعات الإسلامية (نحو مؤسسة بروكينغز الأكثر تأثيرا عالميا من الناحية الفكرية). سعى بعضهم جاهداً إلى إيجاد حلول وسط فطرح أفكارا بديلة، منها تحديد واستهداف جماعات معينة ثبت تورّطها في الإرهاب، على غرار حركتي حسم ولواء الثورة المصريتين، أو أن يتم تصنيف الفرع المصري للجماعة، بعد تحديد نطاقه، وعزله عن غيره من فروع "الإخوان".
لن يكون ذلك بالسهولة المفترضة، لا سيما أن القانون الأميركي لتصنيف أي منظمة بالإرهابية يتطلب أن تكون المنظمة غير أميركية، متورّطة في أنشطة وعمليات إرهابية، وتهدّد إمكاناتها وأنشطتها الأمن القومي للولايات المتحدة، وسلامة مواطنيها، وعلى الإدارة الأميركية أن تبرهن بأدلة تقدمها وكالات مكافحة الإرهاب على أن المنظمة تقوم بنشاط إرهابي يهدد الولايات المتحدة أو مصالحها. ثم يتوجب على وزير الخارجية التشاور مع المدّعي العام ووزير الخزانة قبل الإقدام على التصنيف، وستكون أمام الكونغرس سبعة أيام لمنعه. لكن فرص تمرير التصنيف ستكون أكثر صعوبةً مع امتلاك المنظمة الحق في الطعن على القرار خلال ثلاثين يوما أمام محكمة فيدرالية في واشنطن. وأمام المحكمة، على إدارة ترامب أن تثبت أن أياً من 
أنشطة جماعة الإخوان المسلمين تستوفي المعايير المرتبطة بتصنيفها منظمة إرهابية أجنبية.
ليست ضغوط الحلفاء على الإدارة الأميركية كافية للدفع باتجاه وضع الجماعة على قوائم الإرهاب الأميركية. هناك أسباب أخرى، أهمها المتعلقة بعقدة الإسلاموفوبيا التي يعزّزها عند ترامب قادة اليمين الأميركي، أمثال فرانك جافني، صاحب مفهوم "جهاد الحضارة"، والذي لا يكفّ عن الانشغال بكيفية إلحاق الهزيمة بأكثر المخاطر جديةً واحتماليةً ممثلة في الشريعة الإسلامية، وجهود أتباعها لفرضها على العالم.
وعلاوة على الحد من تدفّق المسلمين نحو الولايات الأميركية، بحرمانهم من التأشيرات، وتقييد حركتهم داخلها، يمنح التصنيف إدارة ترامب مبرّرا قانونيا لقمع الجمعيات الخيرية الإسلامية، والمساجد، وغيرها من الجماعات والمؤسسات الإسلامية في الولايات المتحدة، وتجميد أصولها، وتعاملاتها المالية. إذ يبدو أن ترويج فكرة "طابور خامس" من المسلمين، في العمق الأميركي، أكثر جدوى بالنسبة لإدارة ترامب من مشقة الحفاظ على علاقاتها بشركائها في مكافحة الإرهاب من الدول الإسلامية، وربما أهم من توفر الإرادة الحقيقية في القضاء على الإرهاب في العالم.
حسام أبو حامد
حسام أبو حامد
كاتب وصحافي فلسطيني. من فريق موقع العربي الجديد قسم السياسة.