"الأيام الأخيرة للجريمة الأميركية": رحلة سينمائية مملّة

"الأيام الأخيرة للجريمة الأميركية": رحلة سينمائية مملّة

15 يونيو 2020
إدغار راميريز: تصنّع الأسى الداخلي (فرايزر هاريسون/Getty)
+ الخط -
أنْ يضع الموقع الإلكتروني الأميركي Rotten Tomatoes لوناً أخضر على فيلمٍ، بناء على مقالاتٍ نقدية أميركية ومتابعة لنتائج العروض التجارية في الصالات الأميركية، فهذا يعني أنّ الفيلم "فاشلٌ"، لحصوله على أقلّ من 60 بالمئة من "إيجابيات نقدية". الموقع، المؤسّس عام 1998، مخصَّص لنقد الأفلام، ونشر معلومات عنها. يتابع فريق عمله، عبر شبكة "إنترنت"، مواقع هواة ومحترفين تُنشر فيها مقالات نقدية للأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية. يقول التعريف الرسمي به إنّ كل نقدٍ يُعثَر عليه "يُصبح مادة لدراسة إحصائية، تسمح بتحديد الإيجابيّ (طماطم حمراء) أو السلبيّ (طماطم خضراء)".

الاسم يُذكِّر بـ"كليشيه" عائد إلى زمن "فودفيل"، عندما يرمي الجمهور "طماطم فاسدة" على الممثلين تعبيراً عن استيائهم من ضعف العمل أو ركاكته أو سذاجته. لكنْ، هناك من يُحيل استعارة الموقع لاسم "طماطم فاسدة" إلى مشهدٍ في الفيلم الكندي "ليولو" (1992) لجان ـ كلود لوزون، يُظهر وقوع إحدى ممثلاته في "حوضٍ من الطماطم". لاحقاً، تضعه المجلة الأسبوعية الأميركية "تايم" (12 فبراير/ شباط 2005) في لائحة أفضل 100 فيلم في الأوقات كلّها.

النسب المعتمدة، التي تتراوح من الأفضل إلى الأسوأ، تبدأ من نسبة ما فوق 75 بالمئة إلى نسبة ما دون 60 بالمئة، وبينهما، هناك نسبتان: بين 70 و75 بالمئة، وبين 60 و70 بالمئة. نسبٌ تؤدّي إلى تحليلٍ، تعتمده صحفٌ ومجلات وأقنية تلفزيونية معنية بصناعة السينما، وبأرقامها وتفاصيلها الاقتصادية.

مناسبة كلام تفصيلي كهذا منبثقة من وسم موقع "طماطم فاسدة" فيلماً يُعرض على المنصّة الأميركية "نتفليكس" بدءاً من 5 يونيو/ حزيران 2020، مانحاً إياه "صفراً بالمئة"، وهذا نادرٌ، ومُسيء للغاية بالنسبة إلى "الأيام الأخيرة للجريمة الأميركية"، وإلى مخرجه الفرنسي أوليفييه ميغاتون (1965)، الغائب عن إخراج الأفلام السينمائية (له أفلام وثائقية وأعمال تلفزيونية وأشرطة "فيديو كليب" وأخرى دعائية) منذ 5 أعوام، بعد تحقيقه الجزء الثالث من Taken (تمثيل ليام نيسون وفوريست ويتايكر وماغي غرايس)، بعد إخراجه جزئه الثاني عام 2012. وصفٌ كهذا واردٌ في تعليق نقدي لفرنسوا ليجي، منشور في الموقع الإلكتروني للمجلة السينمائية الشهرية الفرنسية "بروميير" (9 يونيو/ حزيران 2020).

الفيلم اقتباسٌ سينمائي عن رواية مُصوّرة بالعنوان نفسه، للأميركي ريك ريماندر (1973) والبرازيلي غريغ توكتشيني (1979)، تدور أحداثهما في مستقبل قريب (يختار الفيلم عام 2025)، في عالمٍ يمزج خراب النفوس والمدن بسطوة الفساد والجريمة، وبتمزّقات عائلية نابعة من بطش العنف الداخلي والانشقاقات الحادّة. للجنون، بمعناه المباشر، حضورٌ كحضوره في المناخ العام، الذي تعكسه الكاميرا (دانيال آرانيو) بقسوة، عبر ألوان قاتمة ومعتمة، وضوء نهارٍ لن يكون أقلّ قسوة من عنف وجنون يتساويان معاً، عشية البدء بتنفيذ مشروع لسلام أميركي داخلي، يُلغي الجريمة والعنف.

هنات كثيرة تسم "الأيام الأخيرة للجريمة الأميركية"، فتجعل مدّته الطويلة (149 دقيقة) رحلة مملّة في عالم الجريمة والعنف والعلاقات، رغم أنّ جوهر الحكاية يدعو إلى تأمّل في أحوال بلدٍ يُعتبر الأقوى في العالم، لحظة ابتكار نمطٍ "استبداديّ" آخر (وإنْ يكن مبطّناً هذه المرّة) لمنع الجرائم في الولايات المتحدّة الأميركية. الصورة القاتمة للبلد شبيهة بالاضطرابات الحاصلة، الآن وسابقاً، وإنْ تختلف أشكال الاضطرابات. ففي الفيلم، تتفاقم الجرائم المختلفة وبعضها يدفع كثيرين إلى اللجوء إلى كندا؛ وفي الراهن، يزداد عنف الخطاب العنصري، الذي يؤدّي إلى مزيدٍ من أعمال العنف الماديّ. الفساد طاغٍ في مؤسّسات عدّة للدولة، وهذا متشابهٌ بين الفيلم والواقع.

لكنّ الفيلم عاجزٌ عن ترجمة الواقع إلى لغة سينمائية متماسكة في سردها وبنائها الدرامي، وعن الحدّ من الذهاب بعيداً في تأدية بعض الأدوار، خصوصاً مع شخصية كيفن كاش، الذي يبدو مؤدّيها مايكل بيتّ مبالغاً في تقديم الاضطرابات النفسية، والولع بتحطيم الآخرين، والذكاء الشرير الناتج عن "تربية" عائلية وعنفِ سجنٍ يُمضي فيه وقتاً في مرحلة ماضية من عمره، مع أنّ ملامح بيتّ تملك جمالية كبيرة لتأدية دور مضطرب نفسي، يبرع فيه سابقاً، كما في النسخة الأميركية لـFunny Games، التي يُخرجها النمساوي ميشائيل هانكه عام 2007، وهي نسخة "طبق الأصل" عن فيلمٍ سابق له بالعنوان نفسه (1997). وأيضاً شخصية غراهام بريك، التي يجنح مؤدّيها إدغار راميريز، أحياناً، في تصنّع الأسى الداخلي جرّاء غرقه في عالم الجريمة.

إحدى الهنات أيضاً كامنةٌ في لقطاتٍ طويلة عن مطاردات بالسيارات وإطلاق الرصاص مليئة بأخطاء واضحة، إذْ تبدو كأنها متصنّعة وغير واقعية البتّة، وأخرى عن "ثرثرات" تغيب عنها كلّ أهمية درامية أو إنسانية، وتفاصيل هامشية يُستغنى عنها بسهولة. عالمٌ مأسوي موغل في القهر والتمزّقات والجنون والمتاهات، لكنّ هذا كلّه غير مُترجم سينمائياً بما يحثّ على متعة المُشاهدة، كما على تفكيرٍ وتأمّل.

المساهمون