"الآسايش"... قامع جديد للإعلام في سوريّة

"الآسايش"... قامع جديد للإعلام في سوريّة

10 سبتمبر 2014
تضييق كبير على الصحافيين في مناطق السيطرة الكرديّة (الأناضول/GETTY)
+ الخط -
تبدو سورية على أرض الواقع اليوم، أشبه بمساحات مختلفة السيطرة. تُسيطر كلّ مجموعة مسلحة على منطقة معينة، ويكاد يكون لكل مجموعة قوانين وتشريعات خاصة بها تختلف غالباً عن غيرها. من هذه المجموعات، "حزب الاتّحاد الديمقراطي" (PYD)، والذي يسيطر على مناطق واسعة من شمال سورية وشمال شرقها، وهي مناطق ذات الغالبية الكرديّة. يمارس الحزب عبر جناحه العسكري، الذي يطلق عليه اسم "وحدات حماية الشعب" (YPG) أو جناحه الأمني، المعروفة بإسم قوات "الآسايش" (الشرطة والأمن)، انتهاكات عدّة بحقّ الصحافيين والناشطين الإعلاميين.
وبالرغم من أنه لم يُنشر أيّ تقرير، حتى الآن، عن "حزب الاتّحاد الديمقراطي" وجناحيه الأمني والعسكري حول قتل الصحافيين، إلا أنّ انتهاكاتٍ تُرتكب في ما يخصّ إغلاق الإذاعات واعتقال الصحافيين في مناطق سيطرة الحزب. إضافةً إلى الإستجواب أو النفي خارج الحدود. فقد أصبحت مهنة الصحافي تُهمةً شرعيّة، في المناطق الثلاث الكبرى، أي الجزيرة، وكوباني وعفرين، والتي يُسمّيها الحزب "المقاطعات"، حيث يقوم الجناح الأمني للحزب باعتقال الصحافيين ومراسلي الإذاعات والقنوات الإخبارية الإقليمية والمحلية بحجج كثيرة أغلبها غير مقنع.
في فبراير/شباط من العام 2014 الجاري، اقتحمت قوات "الآسايش" إذاعة ARTA.FM التي تبث برامجها من عامودا، شمال الحسكة. وأخلت القوات، مبنى الإذاعة من الموظفين، من دون تعرّض أي من الموظفين للاعتقال. حدث ذلك بالرغم من أنها إذاعة مرخّصة من هيئة "الإعلام الحر" التابعة لـ "الإدارة الذاتيّة" التي أعلنها الحزب المذكور.
وهذه الهيئة مُعتمدة من الإدارة لمنح التراخيص بالعمل الإعلامي للأفراد أو المؤسسات. وجاء إغلاق الإذاعة آنذاك بحجّة أنّها "تبُثّ لمجموعة من الإذاعات الإسلامية المتشددة، إضافةً إلى إذاعاتٍ أخرى غير مرخصة مثل "الروح"، و"بلدنا"، و"الشرق الأوسط"، بمعدّل حوالي ساعتين لكل إذاعة بجهاز سري داخل الإذاعة"، بحسب ما ورد في بيان لـ"الآسايش". وعاودت الإذاعة، البثّ بعد "انتهاء التحقيقات". وبعد نحو سنة، افتتحت الإذاعة فرعاً آخر لها في عين العرب، أو ما يُعرف بكوباني، في محافظة حلب. وبدأت ببثّ برامجها ليوم واحد. كرّر "الآسايش" اقتحام المبنى، لكن في كوباني هذه المرّة، ليُغلق هذا الفرع بحجة "أنّ قانون الإعلام لم يُصدر في المقاطعة". هذا، بالرغم من أنّ هناك إذاعة للحزب باسم "كوباني. إف إم" تبُثّ منذ عامين.
وفي 18 أبريل/نيسان من العام الحالي أيضاً، أقدمت مجموعة مُسلّحة تُطلق على نفسها إسم "مؤسسة عوائل شهداء YPG" في القامشلي، أو "قامشلو"، على اختطاف مراسل قناة "روداو"، بيشوا بهلوي، ومراسل قناة "اورينت نيوز"، رودي إبراهيم. وبعد ساعات من اختطافهما قامت بنفيهما إلى إقليم كردستان. وكان قد تمّ اعتقال ابراهيم وهلوي، في وقت سابق من قبل أجهزة الأمن السورية، وكذلك تم توقيفهما سابقاً من قبل الآسايش بحجة "بثّ أخبار معادية". من جهته، تعرّض الناشط الإعلامي، رامان حسو، للاختطاف من قبل مسلّحي YPG. حسو، والذي كان يعمل مراسلاً لبرنامج ARK في فضائية "زاغروس" الكردية، تحدث لـ"العربي الجديد" عن اختطافه. وقال: "تعرضت للاختطاف من قبل مليشيات الـ YPG في أواسط شهر مارس/آذار الماضي عندما كنت أتوجّه إلى مدينة عامودا لأداء عملي كمراسل تلفزيوني". وفصّل حسو الحادثة، مضيفاً: "تعرّضت لاختطاف من سيارة رباعية الدفع يستقلُّها ملثّمون يتكلمون الكرديّة. أجبروني على الركوب معهم، ليقتادوني إلى مكان مجهول. هناك تعرضتُ للضرب المبرح والإهانة، وتمّ توجيه تهم لي بسبب عملي الإعلامي، واتّهامي بمعاداة PYD من خلال عملي الإعلامي". وتابع: "بعد ما يقارب 12 ساعة من الاختطاف رُميت في إحدى الساحات بالقرب من قريتي حوالي الساعة الثالثة فجراً". ويرى أن: "هذه التصرفات لا تخدم سوى القوى الظلامية وتهدف إلى إسكات صوت الإعلام الحر".
وأشار تقرير "لجنة الحريات الصحافية" في "رابطة الصحافيين السوريين"، بشأن الانتهاكات الواقعة على حقوق الإعلاميين والصحافيين في سورية خلال شهر تموز/ يوليو الماضي، إلى عمليات اعتقال لإعلاميين نفّذتها قوات "الآسايش" التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي =، ومنهم الإعلامي صدر الدين كنو، مراسل وكالة "باسنيوز" الإخباريّة في كوباني، وسكفان أمين، مصوّر الفترة الإخباريّة السوريّة "آرك" في فضائية "زاغروس" الكُردية من مدينة المالكيّة (ديرك) ومصادرة كاميرته والكمبيوتر الخاص به. كما تمّ اعتقال الصحافي، مالفا علي، المحرر في موقع "ولاتي نت"، من مدينة ديرك، والإعلامي، سعدون السينو، مراسل قناة "أورينت"، في بلدة الدرباسية بمحافظة الحسكة، أثناء إعداده تقريراً عن التسول في المدينة. وبحسب التقرير وجّهت له خلال ذلك تهمة "العمل مع قناة معادية تارةً والعمل دون ترخيص تارةً أُخرى"، ليعاودوا اعتقاله مرة أخرى في الثامن من شهر أغسطس/آب الجاري ليُفرج عنه في اليوم التالي.
كما أقدم الحزب على اعتقال مراسل قناة "روداو"، محمد محمود بشار، وتمّ الاعتداء بالضرب على الصحافي إبراهيم عيسى، أثناء محاولته تغطية أحد الإنفجارات في مدينة القامشلي. وبحسب أحد الصحافيين الذين تعرضوا للاعتقال، والذي تحدّث لـ"العربي الجديد"، فإن "الحزب يعمل من خلال اعتقال الصحافيين وإذلالهم والاعتداء عليهم لدفعهم إلى ترك العمل الصحافي والهجرة إلى الخارج". وتعرّض الإعلامي في تنسيقيّة عامودا، إسماعيل شريف، للاستجواب أيضاً من قبل هذه القوات. وأكّد لـ"العربي الجديد" تعرض الصحافيين والإعلاميين في المناطق الكردية لانتهاكات عديدة من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي وقواته العسكرية و"الآسايش" من اعتقال وضرب ونفي بهدف "إسكات أصوات الحق وإظهار الصورة حسب سياسة الحزب وما يناسبها، وغضّ النظر عن انتهاكات تلك القوات بحق الشعب". وأضاف شريف: "لم يسلم من السياسة الاستبداديّة التي يمارسونها ضد الشعب لا الإعلامي التابع للمؤسسات الحزبية ولا المستقلة، حيث مارس الحزب سياسة الإقصاء ضد المؤسسات الإعلاميّة من خلال إجبار المراسلين والإعلاميين على الترخيص لدى اتحاد الإعلام الحر، المؤسسة المقربة من الحزب المذكور، بالإضافة إلى منع كل من لا يحمل الرخصة من القيام بعمله داخل المناطق الكردية حيث قامت قوات "الاسايش" باعتقال العديد من الإعلاميين بحجة عدم حصولهم على الرخصة".
الإعلامي جومرد حمدوش، من أهالي مدينة عفرين في ريف حلب، هو أيضاً أحد ضحايا سياسات هذا الحزب، فقد تعرض في نهاية شهر أبريل/نيسان من العام الحالي للملاحقة من قبل "الآسايش" في عفرين، بعد مداهمة منزله بتهمة "تسييس قضية اجتماعية"، كما صرح مصدر مقرب من عائلته، لـ"العربي الجديد"، رافضاً الكشف عن اسمه. وباتت هذه الممارسات تتكرر بشكل شبه مستمر، رغم نفي الحزب وأذرعه الأمنية والعسكرية وحتى مؤسسة الإعلام الحر، إلا أن الجهات الإعلامية المقربة منه تُجاهر بالطلب، ممن لا يقبل بهذه الممارسات، بالخروج من الأراضي التي يُسيطر عليها.

المساهمون