"إنفورماسيون": تكتلات شرق أوسط جديد والانفجار ليس مستبعداً

"إنفورماسيون": تكتلات شرق أوسط جديد والانفجار ليس مستبعداً

09 سبتمبر 2020
تطبيع الإمارات لعلاقتها بإسرائيل أضفى طابعاً رسمياً على خطوط الصدع الجديدة بالمنطقة(Getty)
+ الخط -
استعرضت "إنفورماسيون" الدنماركية، في تقرير واسع بعددها الصادر أمس الثلاثاء، الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي من زاوية "تنازع 3 تكتلات في المنطقة العربية".
الصحيفة الدنماركية، التي أولت اهتماماً بما يجري في "الشرق الأوسط"، بإشارة إلى تقريرها على الغلاف، استعرضت في المقدمة ما طرحه "شمعون بيريز عندما كان وزيراً لخارجية إسرائيل في كتابه عن الشرق الأوسط الجديد عام 1993، تصور فيه منطقة تكون فيها إسرائيل على علاقة طبيعية مع الجيران، وربما على طريقة الاتحاد الأوروبي، مع احتلال تل أبيب مقعد القيادة كما تفعل ألمانيا، لكنه حلم لم يتحقق قَطّ، فلا الشرق الأوسط يشبه الاتحاد الأوروبي، ولا تل أبيب مثل برلين"، وفق وصف الصحيفة.
حلم بيريز المتلاشي
وعوضاً عن "حلم بيريز" بشرق أوسط جديد، عرّجت الصحيفة، وهي المتابعة من كثب لشؤون العالم العربي، على ما صار إليه واقع المنطقة، بالقول: "بدلاً من سوق مشتركة واحدة، بقانون موحد لحرية الحركة، تحول الأمر إلى غزو أميركي مدمر للعراق، وتوسع النفوذ الإيراني، وثورات عربية سادتها الفوضى، وصعود لتنظيم (داعش). صار هناك شرق أوسط جديد، ولكن ليس ذلك الذي تصوره بيريز".
"إنفورماسيون" تذكر في استعراضها لهذا الشرق الأوسط الجديد "حيث تقوم إسرائيل بتطبيع علاقاتها مع الأنظمة الملكية في الخليج"، أنه "على عكس تمنيات بيريز بأداء تل أبيب دور الريادة، فهي اليوم ليست سوى لاعب من بين لاعبين في إقليم تسوده الصراعات، من خلال ثلاثة تحالفات ناشئة ومتنافسة، وتعزز ببطء قوتها الإقليمية بعد سنوات من الحرب بالوكالة".
على عكس تمنيات بيريز بلعب تل أبيب دور الريادة، فهي اليوم ليست سوى لاعب من بين لاعبين في إقليم تسوده الصراعات
واستشهدت الصحيفة بما تقوله الباحثة في مركز الدراسات العربية والإسلامية بجامعة "إكزيتر" في لندن، سينزيا بيانكو، عن أنّ "تطبيع الإمارات العربية المتحدة لعلاقاتها بإسرائيل أضفى طابعاً رسمياً على خطوط الصدع الجديدة في المنطقة (بين القوى الـ3 الناشئة)، وهو تطبيع وصفه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالتاريخي".
وبيانكو عضو في مركز أبحاث عموم أوروبا "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية".
القوى الفاعلة
تذكر الباحثة بيانكو أنّ "المنطقة تشهد بشكل واضح تكتلات: إسرائيل وممالك عربية خليجية، مقابل تكتل إيران والعراق وسورية ومجموعات مسلحة في لبنان واليمن، وتكتل ثالث يتكون من تركيا وقطر والحكومة الليبية، وما نشهده اليوم تعزيز كل كتلة لقوتها في المنطقة".
ومن المثير في قراءة الصحيفة الدنماركية أنها قدمت دولة عربية كبيرة، هي السعودية، باعتبار أنها "اليوم لديها علاقات أمنية وثيقة مع إسرائيل بحجة الخوف من أن يحتل الإيرانيون مكة"، هذا إلى جانب استعراض مكانة مصر بشكل هامشي في تقرير موسع، وحصرها في القول: "إن عبد الفتاح السيسي، منذ انقلابه على الرئيس (الراحل محمد) مرسي، تقرب من السعودية والإمارات وإسرائيل، لكن القاهرة ترى نفسها متورطة أكثر في نزاع مع أنقرة في ليبيا المجاورة أكثر من قراءة التهديد الإيراني".
تحالفات ضد الربيع
وتتطرق "إنفورماسيون"، تحت عنوان فرعي "شرق أوسط ما بعد أميركا"، إلى ما سمّته انسحاباً أميركياً من سياسات المنطقة. وأكدت أن "النظام الحالي في المنطقة تشكّل بعد الربيع العربي 2010-2011، قبل عشر سنوات.
 واستعرضت الصحيفة الفوضى التي أُحدثت كرد فعل على الثورات العربية "من ليبيا شماليّ أفريقيا، إلى سورية في المشرق العربي حتى اليمن في شبه الجزيرة العربية، حيث باتت القوى الإقليمية الكبرى، في ظل غياب القيادة الأميركية، تسعى إلى دعم مجموعاتها المفضلة، في محاولة لجعل آثار الربيع العربي في مصلحتها".
وعن ذلك تضيف الباحثة بيانكو للصحيفة أنه بعد عشر سنوات "من عدم الاستقرار، ولا سيما في ضوء التقاعس الأميركي، يجدر القول إن اللعبة محصلتها صفر، حيث ترتسم الخطوط بشكل حاد، ولا يمكن اللاعبين الإقليميين الفوز إلا بما يخسره الآخرون".
المنطقة العربية، وفقاً لـ"إنفورماسيون"، تعيش اليوم تجاذب "ثلاث كتل شرق أوسطية بأهداف وتطلعات يمكن أن تكون غير مفهومة أو معقدة".
وتعود الصحيفة في قراءتها للواقع الحالي إلى نحو 4 عقود إلى الخلف، "ففي إيران 1979 صارت السياسة الخارجية والأهداف الاستراتيجية تعيش عقلية الصدمة من خوف تهديدها الخارجي، فانتهجت استراتيجية (الهجوم أفضل دفاع) أمام 40 سنة من الحروب والعقوبات، عبر تخويف الأعداء في الخليج وإسرائيل وبدعم مجموعات شيعية. بيد أن طهران وصلت الآن إلى أقصى السقف، في منطقة لا يمكن نظام الملالي السيطرة فيها على منطقة 85% فيها من المسلمين السُّنة".
وتصف الصحيفة صعود القوة الإيرانية إلى السقف الأعلى بأنه بدأ "بعد الاجتياح الأميركي للعراق وإطاحة صدام حسين، الذي اعتاد حصر طهران في الزاوية، وهو ما أدى إلى تكتل دول الخليج السُّنية لتشكيل جبهة لمواجهة طهران، باستثناء قطر، ولكن هذه المرة بانضمام إسرائيل التي تخشى من طموحات إيران النووية".
التقرير يشير في الوقت نفسه إلى أنّ "هذه الجبهة قوتها محدودة، وليس أمامها الكثير من المناورات، فأمراء الخليج يواجهون في الوقت عينه قوة سُنية كبرى في المنطقة؛ تركيا، التي أبدى رئيسها (رجب طيب) أردوغان سياسات هجومية أكثر خلال فترة وباء كورونا".
اللعبة محصلتها صفر، حيث ترتسم الخطوط بشكل حاد، ولا يمكن للاعبين الإقليميين الفوز إلا بما يخسره الآخرون
وترى "إنفورماسيون" في سياسات أردوغان الأخيرة في شرق المتوسط وسورية وشماليّ أفريقيا "محاولة لتثبيت زعامته للعالم الإسلامي".
ورغم أن البعض يرى أن نشوء تلك التكتلات قد يجعل الأمر أكثر استقراراً وأمناً في المنطقة، إلا أنّ الصحيفة تستحضر رأي الباحثة بيانكو للقول إنّ تلك النظرية ليست صائبة دوماً "فسياسة أكثر صرامة من الإمارات وإسرائيل ضد إيران في الخليج وتركيا في شرق المتوسط، يمكن أن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار، وذلك يشجع على الاعتقاد الخاطئ بأن الصراعات العديدة في المنطقة يمكن حلها من خلال لعبة محصلتها صفر".
الانتخابات الأميركية مصيرية
يرى تقرير "إنفورماسيون" أنّ الانتخابات الرئاسية الأميركية ستؤدي دوراً حاسماً في صراع التكتلات المتشكلة في المنطقة العربية وحولها. فترى الباحثة بيانكو أنّ "الشرق الأوسط الذي يجد نفسه اليوم في صراع قوى إقليمية، لا شيء ثابت فيه، ولا أحد يمكنه توقع الاستقرار قريباً".
وتشير الباحثة إلى أنّ الأمر مرتبط على المدى القريب بنتائج الانتخابات الأميركية. وتشرح قائلة: "في حال فوز (المرشح الديمقراطي) جو بايدن، فقد يُعاد الاتفاق النووي بالحديث مع طهران، ولكن ترامب لن يتحدث معها، وإذا فاز فربما ضغط عليها أكثر، وهو ما يعني تصاعد التوتر في المنطقة، ورغم أن الأنظار تركز على الشؤون الداخلية في أميركا، إلا أن الانتخابات ستكون حاسمة بالنسبة إلى المنطقة العربية".
وتستعرض الصحيفة الدور الصيني الذي يحاول، وفقاً لتقريرها، اللعب "كقوة عظمى في شؤون الشرق الأوسط".
لكن ماذا عن دور الاتحاد الأوروبي؟ لا تقلل الصحيفة منه، معتبرة أنه بينما "تقف واشنطن بلا هوادة خلف إسرائيل ودول خليجية، وذهاب الصين وروسيا لتعزيز المحور الشيعي، فإن الاتحاد الأوروبي أكثر واقعية، ويتحدث لجميع الأطراف في الشرق الأوسط".
وعلى لسان الباحثة بيانكو، فإنّ "أوروبا اللاعب الوحيد الذي يفهم أن الإقليم (الشرق الأوسط) يحتاج إلى حلول سياسية لا عسكرية، وبدأنا نشهد سياسة أقوى من قوى أوروبية في المنطقة، فأوروبا تريد خفض التصعيد مع الأتراك في شرق المتوسط والحفاظ على علاقات جيدة مع الخليج، والحديث مع إيران لإنقاذ الاتفاق النووي، لكن دون منحها فرصة الحصول على السلاح الذري".
إذاً، بحسب قراءة "إنفورماسيون" ورصدها لواقع المنطقة العربية، والشرق الأوسط عموماً، فإنّ "الكثير على المحك في الشرق الأوسط الجديد، وهو ما سنراه في الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة، وقد يخاطر الأتراك بإطلاق النار على اليونان، وقد يصعّد الإسرائيليون ضد طهران في سورية، ويمكن حزبَ الله أن يضرب شماليّ إسرائيل (فلسطين المحتلة) من جنوب لبنان".
بيد أنّ الصحيفة ترى في الوقت نفسه أنّ "المنطقة يجب أن تستفيد من النشاط الدبلوماسي، لإحياء الركود والجمود وجهود خفض التصعيد، وإلا فإننا نخاطر بتعميق خطوط الصدع في الشرق الأوسط. ويجب أن نحبس أنفاسنا حتى الانتخابات الأميركية، في نوفمبر/ تشرين الثاني"، تختم الصحيفة.

المساهمون