11 نوفمبر 2024
"إفتاء" المشايخ في السياسة
في حواره مع صحيفة مصرية، وجه الداعية اليمني، الحبيب علي الجفري، تحذيراً شديد اللهجة للمصريين، قائلاً: "أنتم لا تعلمون معنى أن تعيش في بلدٍ لا دولة فيه". وراح يصف سوء أحوال الدول التي تشهد نزاعاً مسلحاً أو فراغاً في السلطة. وفي حديث الشيخ المعمم نقاط كثيرة تستحق التعليق والتفنيد، منها، مثلاً، ما يتعلق بالحب والعلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة، إلا أن هذه المسألة وغيرها مما تكلم عنه الجفري ليست محلاً للجدل أو النقد من هذا المنبر. ولا يليق بكاتب رأي تخصُّصه السياسة، وهمُّه المجال العام، أن يتصدّى لما ليس له علم كاف به. تماماً كما لم يكن ينبغي للجفري أن يتحدث في السياسة، ويصدر أحكاماً وتقييمات ليست من شأنه، ولا علم له بها. فقد أسهب في توصيف حالة الانقسام الحاصلة في بلده اليمن، مستشهداً بتشتت أسرته بين القتال مع الحوثيين وضدهم. وفضلاً عن عدم جواز الجمع بين حالاتٍ متباينة في أسبابها وتطوراتها وطبيعة أطرافها، فإن النظر إلى الوضع في مصر مقارنة بالحالة اليمنية قياس فاسد، حيث لا بعد مذهبياً للأزمة في مصر، ولا صراع على السلطة بين قوى ومليشيات مسلحة كما في اليمن.
الخطير، هنا، ليس فقط مضمون ما ورد في كلام الجفري، ومدى صحته أو خطئه، وإنما في تطوّع شيخ دين بإبداء الرأي و"الإفتاء" في أمور السياسة، وهي ظاهرة ليست جديدة، فقد سبق الجفري كل من شيخ الأزهر والمفتيان الحالي والسابق ووزير الأوقاف وأساتذة من جامعة الأزهر وآخرون من علماء الدين والدعاة والوعاظ، غير أن حالة الجفري تدشن مرحلة جديدة في تدخل مشايخ الدين في السياسة، بأن "يفتي" الداعية في السياسة بشكل مباشر، وباستخدام مفاهيم ومنطلقات سياسية بحتة، وليس من منظور ديني أو بتكييف المنطق السياسي دينياً، لتمريره و"شرعنته"، كما كان الحال دائماً.
تحدّث الجفري عن غياب الدولة، وكارثية ألا تكون هناك "دولة" في بلد ما. في افتئات واضح على علماء السياسة، وجهل مطبق بمكونات "الدولة"، بل وتعريفها. ليشارك (بوعي أو بغيره) في الخلط بين "الدولة" والسلطة الحاكمة. ويعزف النغمة السائدة نفسها لدى الإعلام المصري، نقلاً عن الدوائر الرسمية، بأن سلطة الحكم هي الدولة. وأي معارضة لتلك السلطة أو اعتراض عليها هي، بالضرورة، خطوة هدّامة وجزء من مؤامرة لإسقاط الدولة. ليكون السبيل الواحد والوحيد للحفاظ على الدولة هو الإبقاء على السلطة والانصياع المطلق لها.
المثير أنه لا وجه، هنا، لمحاججة الشيخ بضرورة قول الحق في وجه السلطان، أو تطبيق معادلة "إن أطعت الله فيكم فأطيعوني، وإن عصيته فقوِّموني"، فالمدخل هنا ليس دينياً، والمنهج ليس تسييس الدين، أو تديين السياسة. بعد أن صار الشيخ يتكلم سياسة، ويُنَظر سياسة و"يفتي" سياسة كاملة التسيُس. لا يغلفها بحكم شرعي، ولا يخضعها لقاعدة "أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ".
عندما يتناول غير متخصص مسائل فقهية أو دعوية أو حتى أموراً دنيوية من منظور ديني، يواجَه دائماً بحملة رفض من المؤسسات الدينية وعلماء الدين. أما عندما يحدث العكس ويخلع "الشيخ" عباءته ليرتدي حُلة السياسي، فلا ضير ولا شر!. لو سارت الأمور على هذا النحو، سيخرج علينا الأدعياء من الدعاة لينتقدوا قانوناً أو يمتدحوا خطوة سياسية، أو يقيموا قراراً اقتصادياً، ويحللوا تأثيراته على ميزان المدفوعات أو حجم الدين العام. وبعد أن ابتذلت المؤسسات الدينية الأحكام الشرعية، وطوع رجال الدين حقهم في الإفتاء بالدين لخدمة السياسة، توسع نشاطها ليشمل "الفتوى" في السياسة والقانون والاقتصاد والبيئة، من دون مسوغ علمي أو سند شرعي.
الخطير، هنا، ليس فقط مضمون ما ورد في كلام الجفري، ومدى صحته أو خطئه، وإنما في تطوّع شيخ دين بإبداء الرأي و"الإفتاء" في أمور السياسة، وهي ظاهرة ليست جديدة، فقد سبق الجفري كل من شيخ الأزهر والمفتيان الحالي والسابق ووزير الأوقاف وأساتذة من جامعة الأزهر وآخرون من علماء الدين والدعاة والوعاظ، غير أن حالة الجفري تدشن مرحلة جديدة في تدخل مشايخ الدين في السياسة، بأن "يفتي" الداعية في السياسة بشكل مباشر، وباستخدام مفاهيم ومنطلقات سياسية بحتة، وليس من منظور ديني أو بتكييف المنطق السياسي دينياً، لتمريره و"شرعنته"، كما كان الحال دائماً.
تحدّث الجفري عن غياب الدولة، وكارثية ألا تكون هناك "دولة" في بلد ما. في افتئات واضح على علماء السياسة، وجهل مطبق بمكونات "الدولة"، بل وتعريفها. ليشارك (بوعي أو بغيره) في الخلط بين "الدولة" والسلطة الحاكمة. ويعزف النغمة السائدة نفسها لدى الإعلام المصري، نقلاً عن الدوائر الرسمية، بأن سلطة الحكم هي الدولة. وأي معارضة لتلك السلطة أو اعتراض عليها هي، بالضرورة، خطوة هدّامة وجزء من مؤامرة لإسقاط الدولة. ليكون السبيل الواحد والوحيد للحفاظ على الدولة هو الإبقاء على السلطة والانصياع المطلق لها.
المثير أنه لا وجه، هنا، لمحاججة الشيخ بضرورة قول الحق في وجه السلطان، أو تطبيق معادلة "إن أطعت الله فيكم فأطيعوني، وإن عصيته فقوِّموني"، فالمدخل هنا ليس دينياً، والمنهج ليس تسييس الدين، أو تديين السياسة. بعد أن صار الشيخ يتكلم سياسة، ويُنَظر سياسة و"يفتي" سياسة كاملة التسيُس. لا يغلفها بحكم شرعي، ولا يخضعها لقاعدة "أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ".
عندما يتناول غير متخصص مسائل فقهية أو دعوية أو حتى أموراً دنيوية من منظور ديني، يواجَه دائماً بحملة رفض من المؤسسات الدينية وعلماء الدين. أما عندما يحدث العكس ويخلع "الشيخ" عباءته ليرتدي حُلة السياسي، فلا ضير ولا شر!. لو سارت الأمور على هذا النحو، سيخرج علينا الأدعياء من الدعاة لينتقدوا قانوناً أو يمتدحوا خطوة سياسية، أو يقيموا قراراً اقتصادياً، ويحللوا تأثيراته على ميزان المدفوعات أو حجم الدين العام. وبعد أن ابتذلت المؤسسات الدينية الأحكام الشرعية، وطوع رجال الدين حقهم في الإفتاء بالدين لخدمة السياسة، توسع نشاطها ليشمل "الفتوى" في السياسة والقانون والاقتصاد والبيئة، من دون مسوغ علمي أو سند شرعي.