"إرث الدم" لحسين نشوان: سؤال الجلاد والضحية

"إرث الدم" لحسين نشوان: سؤال الجلاد والضحية

08 مايو 2020
نجاح البقاعي/ سورية
+ الخط -

جرت دراسة القهر في مجالات عدة مثل علم النفس والاجتماع والسياسة، حيث جرى تتبّع تلك الرابطة الضدّية بين الجلّاد والضحية، فالأول يبعث رسائل أبعد من التحكّم بالمقموعين وتحطيمهم إلى جمهور يفترض فيه أن ينتقل من السلبية تجاه فعل العقاب نجو المشاركة الرمزية فيه، بينما يحاول الثاني حماية نفسه عبر الاعتراف أو الإنكار وصولاً إلى الرعب القارّ في وعيه.

يرتبط الطرفان بذاكرة قوية تتصل بالهزيمة التي تطاولهما معاً، يتمثّلانها بأشكال متعدّدة حيث المقهور يتوّجه نحو الاحتفاظ بتفاصيل ألمه منتظراً فرصة يتخلّص خلالها من قهر، أو طمسها متبنياً قيم القامع وسلوكياته ومتعاطفاً معها، بينما يسعى الأخير إلى تبرير سيطرته عبر البحث عن ضحايا جدد للاقتناع بصوابيته السياسية أو "الأخلاقية".

"إرث الدم.. العلاقة الملتبسة بين الجلاد والضحية" عنوان الدراسة التي صدرت مؤخراً للباحث والناقد الأردني حسين نشوان عن "الآن ناشرون وموزعون"، ويطرح فيها تساؤلات عدّة حول مواجهة حادة بين "غالب ومغلوب تشكّلا انطلاقاً من الحياة والزمن، حتّى اتّخذا شكلاً في الحضور واللغة من الصعب تجاوزه، يقفان على مربّع واحد وضمن بقعةٍ جغرافيةٍ محدّدةٍ، ومساحة وزمن واحد، محاط بكثير من الخوف والرهبة والمصير المجهول لكليهما"، بحسب المقدمة.

يشير المؤلّف في "العتبة الأولى" للكتاب، إلى محاولته قراءة طبيعة تلك العَلاقة، ومظاهرها، وأطرافها، وسلوكات كلّ طرف، والوسائل الدفاعية للانعتاق من القهريّات التي تفرضها الظاهرة على طرفَي العَلاقة، فالجلَّاد يتغيّر بالكيفية التي تؤثّر فيه استجابات الضحية وأفعالها وتفكيرها ولغتها وأنماط عيشها، وكذلك الضحية التي تطوّر وسائل مستعارة من الخبرة القهرية، سلبًا وإيجابًا، فكلّ صراع ينتج نوعاً من الثقافة التي يتشارك فيها طرفا العَلاقة بمرجعيّات تتيح إعادة النظر بالمعتقدات والمعارف والقيم لدى الطرفين.

وفي باب "متلازمة الأضداد"، يبيّن نشوان أنه مع ما يتبدّى من تضادّ بين الغالب والمغلوب، واشتباك المستعمَر والمستعمِر، إلا أنّهما يتشابهان في كثير من الجوانب السلوكية، والنفسية، والفسيولوجية، والعاطفية حدّ التطابق.

يعود الكتاب إلى الخطيئة الأولى التي أدّت لنفي الإنسان إلى الأرض، وبدء ممارسة طقوسية للتخلّص منها بالتضحية التي "تستعيد فيه وعياً تموزياً يهيئ ويحضّر لولادة جديدة، لتتجلى لعبة الزمن التي تقوم بها الضحية وهي تمارس الانفصال في مواجهة الإقصاء بتغييب زمن الآخر".

تحمل أبواب الكتاب العناوين التالية: "في البَدء كان المنفى"، و"الاجتماع وفكرةُ السُّلطة"، و"تبادُليّة الخطاب"، و"ولادة الجلَّاد والضحيّة في الأسطورة، و"الصديق العدوّ"، و"مجتمعاتُ ما بعد الاستعمار"، و"سرديّة الموت/الخلود"، و"احتلال اللّغة/العقل"، و"الصدمةُ والخوف"، و"الخروج من نمطية الصورة"، و"قهريّات الحداثة"، و"الثنائيّات الزائفة"، و"الضحيّة تحرّر الجلَّاد".

دلالات

المساهمون