Skip to main content
"أون توب"... نزل بيروتي صار حطاماً
كارين إليان ضاهر ــ بيروت
يقع On Top في منطقة مار مخايل الأكثر تضرراً بالانفجار (Getty)

لم يتوقّع المهندس إلياس البستاني أن يدمّر "البيت الحلم"، الذي عمل طوال سنتين على أدق التفاصيل فيه، خلال لحظة، إثر انفجار مرفأ بيروت. لم يبق منه إلا الحطام. ففي اليوم الذي كانت توضع فيه اللمسات الأخيرة للـGuest House التراثي اللبناني الذي كان ليعكس أجمل صورة عن الواقع البيروتي، اختفى البيت بالكامل.
في لحظة الانفجار، دمّرت الدار البيروتية العريقة التي كانت تقف في قلب منطقة مار مخايل. المنطقة تحوّلت اليوم بالكامل وغمرها الحزن والحداد على أهلها وعلى بيوتهم التراثية المدمرة.
"ما فعلته عند ترميم البيت وتحويله إلى Guest House، كان الوسيلة الوحيدة للحفاظ على هذا البيت التراثي. وجدتها الطريقة المثلى ليستمتع من يختاره بقيمته ويقدّرها لاعتباره يشهد على تاريخ عريق. فمن كان سيختاره يمكن أن يعيش التجربة البيروتية الحقيقية بأجمل ما فيها". بهذه العبارة ينقل البستاني الشغف الذي منه انطلق بفكرة هذا المشروع. فالبيت إرث من العائلة وقد اتخذ قراراً بالحفاظ على قيمته بتحويله إلى Guest House يقدّر من يختاره قيمته ويعيش أجمل تجربة بيروتية تقليدية فيه.
في الواقع، لم يكن هذا الصرح التراثي معدّاً لاستضافة نزلاء بتصميمه الأساسي المعد للسكن بغرفه الواسعة. لكن المهندس استطاع تخطي هذا العائق بإدخال تعديلات عديدة فيه، بينما بقي المبدأ الأساسي الذي انطلق منه الحفاظ على طابعه التراثي وعدم المس به أياً كانت هذه التعديلات.

نزل "أون توب" في بيروت قبل الدمار (العربي الجديد)

في مقابل حرص البستاني على الحفاظ على الطابع التراثي للمكان وقالبه العريق، أضاف بعض اللمسات العصرية الكفيلة بتأمين راحة من يختاره. يشير في حديثه إلى "العربي الجديد"، إلى أنه لشدة حرصه على عدم تشويه معالم الغرف وطابعها الأثري أضيفت حمامات بتصميم عصري في هياكل زجاجية مجردة تعكس الضوء وتتماشى مع طراز الغرفة وقد زينتها قصائد وأشعار وكلمات أغان عن بيروت، مكملة لكل من الغرف بما يتناسب مع عنوانها.
كذلك هي الخزائن وباقي التفاصيل التي أضيفت إلى الغرف، والتي تحمل طابعاً عصرياً، فيما حافظ على العناصر الأساسية بأسلوبها التراثي، بما في ذلك ورق الجدران؛ فتمكن من الحفاظ على بعض منه ليترك تلك اللمسة المميزة في القالب الأصيل.

أما أرضية المنزل التي تعود إلى قرابة 200 سنة، فمن الرخام والخشب، إذ كان المهندس حريصاً أيضاً على الحفاظ عليها: "قررت أيضاً حف الجدران التي طليت مرات عدة، إلى أن استعدت اللون الأصلي للبيت والرسوم الأساسية كما كان عند بنائه أولاً. استعنت باختصاصيين في ترميم المنازل التراثية للإبقاء على هذا الطابع الذي لم أشأ التخلي عنه. وانطلاقاً من هذا المبدأ اعتمدت الدار اللبناني العريق والواسع للاستقبال، حتى يعكس رحابة صدر اللبناني وكرمه وحسن الضيافة التي يتمتع بها. كما استعنت بخطّاط لكتابة العبارات على الجدران المأخوذة من مسيرة كل المشاهير اللبنانيين في كل غرفة".
صباح وفيروز وشوشو وجبران خليل جبران وسعيد عقل، نجوم من لبنان اختارهم المهندس، لكل غرفة في الفندق المؤلف من ست غرف وجناح. فمن يختار أياً منها، يكتشف عالماً خاصاً يعكس أجمل ما في سيرة الشخصية التي يختارها، خصوصاً في ما يتعلق منها بلبنان وعلاقتها به.

(العربي الجديد)

 

أما الألوان التي اختارها البستاني للغرف، فأتت لتعكس صورة بيروت الحقيقية النابضة بالحيوية لخلق مزاج المدينة الخاص. هكذا، اختار البستاني اللون الذهبي لغرفة الشحرورة؛ أما الزهري فلفيروز، والأزرق الملكي لجبران خليل جبران، والأخضر المائل إلى الزُّرقة لسعيد عقل، والأصفر لشوشو.
كان من المفترض أن يفتتح الفندق التراثي On Top في أواخر العام الماضي، إلا أن الظروف في البلاد لم تسمح بذلك، فتأجّل تاريخ الافتتاح. وشاءت الظروف المرافقة لجائحة كورونا أن يتأجل الافتتاح الذي كان متوقعاً في هذه الفترة مرة أخرى. كانت بعض اللمسات البسيطة تضاف فيه لليوم الأخير، يوم انفجار مرفأ بيروت، الذي انهارت فيه كل الأحلام مع تحوّل هذا البيت التراثي العريق إلى حطام.