Skip to main content
"أوروبا الشعبوية" والعرب
ناصر السهلي
تم رمي شبهة التطرف و"الإرهاب" على اللاجئين العرب(فرانس برس)


ثمة تطورات متراكمة ولافتة شهدتها الحركة الشعبوية الأوروبية خلال السنوات الماضية. فمن تهمة "معاداة السامية" إلى رفع لواء "الدفاع عن اليهود"، وتبرير تحالفاتها العلنية والسرية مع أنظمة الاستبداد العربي والكرملين ودولة الاحتلال، واليمين الأميركي المتصهين مثل مُنظر "انتفاضة شعبوية" ستيف بانون. وما يُصنفه البعض العربي بـ"اللامعقول"، عن عمق التحالفات الليكودية مع أقطاب حركات وأحزاب شعبوية، هو ليس كذلك عند معادي الشعبوية، والباحثين عن تفكيك المشهد القومي المتعصب.

وربما تستدعي هذه الخلطة، بتشابك العلاقات والمصالح، المحكومين بمنهج انتهازي منافق، تأملا عربياً جاداً، بعيداً عن الأنظمة. ففي حين يبدو التشابك مفهوماً بين شعبويي أوروبا وأذرع الكرملين واليمين الأميركي المتطرف ودولة الاحتلال، فإن ما خص حالة بعض الأنظمة العربية، تبديداً في الجهد والمال، يثير ألف علامة استفهام عمن يصنع القرار أو يقدّم "استشارات" التعويل على هذه الأحزاب الشعبوية، ومدها بخطاب دوني وتبريري، بلسان عربي، يستهدف العرب والمسلمين في القارة، وخارجها، إذ تطاول العرب وثقافتهم الإسلامية عموماً، باختزال صورتهم بأنظمة متخلفة ووظيفية لدى متطرفي الغرب.

في العام 2014 خرجت أبو ظبي بما سمته "قائمة المنظمات الإرهابية"، لتشمل مؤسسات قائمة في الغرب منذ عقود، مع استمرار تحريض أذرع الاستبداد حتى اليوم، إلى حد رمي شبهة التطرف و"الإرهاب" على مواطني القارة من أصل عربي وعلى لاجئيها، الهاربين أصلاً من ذات أنظمة التحريض، الطاردة لهم تحت قصف البراميل وتعميق التخلف، والإغراق في فساد فوضى التأخر المصطنع. فلم يعد سراً أن أقطاب شعبوية أوروبا باتوا يغرفون ويستمدون "الحجج" من خطاب التحريض العربي، إن من القاهرة في الزمن الانقلابي، وأبو ظبي والرياض حيث تُكمم أفواه بتقطيع أوصال وبتغييب قسري، فيما ترعى وتسمح لأخرى بخطاب قميء ومعجب بمن يحتل القدس، أو حتى من "دمشق" برعاية روسية-إيرانية. إذ بعد سنوات الخطاب الانتهازي عن "ممانعة" تآمر الغرب، ينتهي المطاف بنظامها متحالفاً مع مرتزقة حركات فاشية قاتلت معه، وشعبوية احتفى بزيارتها.

على كلٍ، للصورة وجه آخر، فالشعبويون ليسوا أغلبية، ولا قدراً حتمياً لمستقبل أوروبي يتوهمه مستشارو الاستبداد العربي. صحيح أن المد قائم، لكن من الصحيح أيضاً أن صورة تلك الأنظمة مخزية لدى القوى الحية والمتفاعلة في أوروبا، خصوصاً في سلة المقارنات العلمية لطبيعة النظم القائمة على خطاب "خصوصية ثقافية" تبريراً للاستبداد. وتلك خيبة على خيبات مراهنة الأنظمة، كمراهنتها على أسرلة العقل... وعلى التاجر الانتهازي في البيت الأبيض.