"أملاك الغائبين": أداة الاحتلال للقبض على القدس

"أملاك الغائبين": أداة الاحتلال للقبض على القدس

20 ابريل 2015
مصادرة أملاك الغائبين في القدس (فرانس برس)
+ الخط -
لم يخطر في بال مروان حلوة، من سكان ضاحية السلام، من أراضي بلدة عنانا، شمال شرق القدس المحتلة، أن أملاك عائلته مهددة بالفقدان والسيطرة بفعل قانون أملاك الغائبين.

منذ عام 1967 وحتى قبل عامين، كان مروان وأشقاؤه وعائلاتهم يقيمون بتصاريح خاصة في القدس المحتلة؛ لهم منازل ومتاجر يعملون فيها.اليوم بات كل شيء مهدداً بالاستيلاء عليه، فيما هم أنفسهم مهددون بالطرد، كما يقول مروان  لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى تلقي عائلته وأكثر من ١٢٠ عائلة أخرى إخطارات تطلب منهم إثبات قانونية أملاكهم.

اقرأ أيضاً (المحكمة الإسرائيلية تكرّس مصادرة أملاك الغائبين في القدس)

مروان وعائلته، اليوم، في صراع قضائي، وقد يخسرون معركتهم الأخيرة بعدما قررت المحكمة العليا الإسرائيلية أخيراً تفعيل قانون أملاك الغائبين على ممتلكاتهم في القدس المحتلة، وفي ضاحية السلام، حيث يقيمون، فيما ينتاب القلق العائلات الأخرى التي قد تجد نفسها مسلوبة الإقامة والهوية.

وحذّر خبراء في مجال الاستيطان ومنظمات حقوقية فلسطينية من تداعيات قرار المحكمة العليا الإسرائيلية الأخير، القاضي بتفعيل قانون ما يسمى بـ"أملاك الغائبين" على أراضي وعقارات الفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية، الموجودة في القدس المحتلة، والتي لا يمكنهم الوصول إليها أو التصرف بها.

وقال خبير الاستيطان في القدس المحتلة، خليل تفكجي، إن قرار العليا الإسرائيلية يقضي على ما تبقى للفلسطينيين من أراض وأملاك في القدس المحتلة، مشيراً إلى أن الإسرائيليين وبعد احتلالهم القدس، لم يبقوا لأصحابها الشرعيين سوى 13 في المائة من المساحة الإجمالية للمدينة المقدسة، في حين أن نسبة الـ 87 في المائة الباقية من هذه الأراضي صادرها الاحتلال لأغراض الاستيطان، وشق الأنفاق، وشبكات الشوارع والطرق، وأعلن جزءاً منها مناطق خضراء يحظر على الفلسطينيين التصرف بها.

وأضاف، في حديثه مع"العربي الجديد"، أن القرار الأخير يمكّن الاحتلال من السيطرة على أكثر من 13 إلى 50 في المائة من أراضي الفلسطينيين، أبناء الضفة الغربية الموجودة في القدس. وأورد أمثلة حول الأراضي التي ستؤول إلى سلطة حارس أملاك الغائبين، أي الاحتلال، شأن أراضي قرية بيت حنينا شمال غرب القدس القاطن أصحابها في الضفة، إضافة إلى مدينة بيت جالا، ونحو 28 قرية وبلدة فلسطينية كانت الحكومة الإسرائيلية قد ضمتها بعد احتلال القدس عام 67 إلى حدود بلدية المدينة، لتتوسع أكثر من عشرة أضعاف مساحتها الحالية.

وأشار تفكجي إلى أنه، بموجب القرار الذي يطبق على الفور، فإن جميع أصحاب هذه الأراضي والعقارات يفقدون حقهم في ملكيتها باعتبارهم غائبين، وغير موجودين، رغم وقوعهم تحت سلطة وسيطرة الاحتلال الإسرائيلي، وهو أمر ينطبق حتى على عقارات ومحال تجارية في شارع صلاح الدين، وفي البلدة القديمة، وأي عقار أو أرض لأشقاء على سبيل المثال يقيم بعضهم في القدس والآخر في الضفة، سيحل حارس أملاك الغائبين شريكاً في هذه الأراضي والعقارات محل أصحابها الشرعيين في الضفة الغربية، وحتى في البلدات والقرى المصنفة في الضفة المتاخمة للمدينة المقدسة.

لكن الجديد والأخطر في قرار العليا الأخير، وخلافاً لما هو عليه قانون أملاك الغائبين لسنة 1950، أنه يتعامل مع الضفة الغربية كدولة "عدوة"، وفق مفهوم الاحتلال، رغم أن هذه المنطقة الجغرافية لا تزال تخضع للاحتلال ولسيطرته الكاملة، بينما قرار سنة 1950 يتحدث عن أملاك الدولة "العدوة" مثل الأردن ومصر ولبنان وسورية والسعودية واليمن.

اقرأ أيضاً (عائلة شماسنة المقدسية في مواجهة التهويد)

وأكد خبير الاستيطان الفلسطيني أن الخيارات الفلسطينية لمواجهة هذا القرار والتصدي له تكاد تكون معدومة، من الناحية القانونية، كون القرار صادراً عن أعلى هيئة قضائية في إسرائيل، وهي المحكمة العليا. وبالتالي، ليس أمام الفلسطينيين سوى اللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية على اعتبار أن تداعيات القرار ستكون سياسة تطهير عرقي ضد أصحاب الأرض الشرعيين، واللجوء إلى الضغوط السياسية الدولية لإرغام الاحتلال على التراجع عن القرار، كما حدث في موضوع الكليات العسكرية، التي كان من المزمع إقامتها على أراضي الفلسطينيين في جبل مشارف، إلى الشرق من البلدة القديمة من القدس، حيث قرر الاحتلال نقل البناء إلى القدس الغربية. وأضاف: "ستكون للقرار هذا تداعيات سياسية خطيرة على المستوى الدولي، لأن الحديث يدور عن إغلاق ملف القدس ديمغرافيا وجغرافيا، وإحكام قبضة الاحتلال عليها".  

وكانت المحكمة الإسرائيليّة العليا قد أصدرت الأربعاء الماضي، قرارها في قضية استيلاء "حارس أملاك الغائبين" على الأملاك في القدس الشرقية التابعة للفلسطينيين، من سكان الضفة الغربية. وفي هذا القرار شرعنت استمرار تطبيق قانون "أملاك الغائبين" على القدس الشرقيّة مصادقة على كل المصادرات، التي تمّت في السابق، وأعطت الضوء الأخضر للمزيد من المصادرات في المستقبل.

تجدر الإشارة إلى أن مركز "عدالة"، وهو هيئة قانونية فلسطينية داخل فلسطين المحتلة عام 48، كان قد قدّم طلباً للانضمام إلى البتّ في هذا الملف باعتبار المركز خبيراً قانونياً، ضمن إطار إجراء "أصدقاء المحكمة". وجاء في ورقة الموقف، التي قدّمتها المحامية، سهاد بشارة، من "عدالة" للمحكمة في عام 2013، أن موقف المستشار القضائي للحكومة، والذي يصادق على تطبيق القانون في القدس الشرقيّة، يُعتبر تغييراً للوضع الراهن القائم منذ عشرات السنين، والذي أيّده المستشارون القضائيون السابقون للحكومات الإسرائيليّة منذ احتلال القدس في عام 1967، وبموجبه يُمنع تطبيق القانون على أملاك أهالي الضفة الغربيّة الموجودة في القدس الشرقيّة. كما أكد المركز أمام المحكمة أن فرض القانون على أملاك فلسطينيي الضفة في القدس فقط، دون فرضه على أملاك سكان مستوطنات الضفة الغربية الواقعة داخل فلسطين المحتلة، يدل على الأهداف الحقيقيّة الكامنة وراء تطبيق القانون.

واعتبرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الفلسطينيين في الضفة اللاجئين في وطنهم في حكم الغائبين، مما أفضى إلى وضع عقاراتهم وأملاكهم تحت تصرف ما يسمى "الوصي على أملاك الغائبين" في وزارة المالية الإسرائيلية، لتوظيفها في تعزيز الاستيطان والتهويد، في حين اعتمدت حكومة بنيامين نتنياهو هذا الإجراء المثير للجدل، حتى في أروقة المحاكم الإسرائيلية، بالتزامن مع إطلاق الجولة الأخيرة من المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، والتي تعثرت قبل إطلاقها ووصلت إلى طريق مسدود، كما يقول عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حنا عميرة، في حديثه مع"العربي الجديد"، مشيراً إلى أن تفعيل هذا القانون كان له هدف واضح وهو نهب ما تبقى من أراض للفلسطينيين في القدس المحتلة، للقضاء على حلمهم بإقامة دولتهم المستقلة وعاصمة القدس الشرقية المحتلة. 

عقارات المقدسيين

أما فيما يتعلق بعقارات المقدسيين، وما ستؤول إليه، فقد مهد المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، يهودا فاينشطاين، الطريق للجمعيات الاستيطانية واليهودية لوضع اليد على المزيد من أراضي وعقارات المقدسيين، من خلال مذكرة قضائية قدمت للمحكمة العليا.

وبحسب مذكرة المستشار القضائي الإسرائيلي، التي قدمت للمحكمة، فقد صادق الأخير على السماح بوضع اليد على عقارات وأملاك الفلسطينيين، الذين يسكنون الضفة ولهم مصالح اقتصادية وتجارية وعقارية في القدس. وتجيز المذكرة، كذلك، مصادرة كل عقار في القدس تعود ملكيته لفلسطيني يقيم بالضفة في حال إدانته أمام القضاء الإسرائيلي بارتكاب مخالفات أمنية أو الاتصال مع جهات معادية، أو مقاومة الاحتلال بالقدس.

وحذر مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، زياد الحموري، من التداعيات المترتبة على هذا القانون من ناحية ديمغرافية القدس. وقال إن "هذا القرار سيمكن الاحتلال من مضاعفة عمليات الترحيل القسري لمئات الأسر المقدسية، التي تقيم في بيوتها وأراضيها بموجب تصاريح إقامة مؤقتة، كما هو الحال بالنسبة لضاحية السلام من أراضي بلدة عناتا شمال شرق القدس، والتي ضمت إلى حدود بلدية الاحتلال، في حين تقيم أكثر من 120 عائلة في أملاكها وأراضيها، ولا تعترف بقانونية إقامتهم سلطات الاحتلال كونهم يحملون بطاقة هوية الضفة". 

ورأى عضو المجلس الثوري في حركة "فتح"، حاتم عبد القادر، مسؤول ملف القدس في الحركة، أن لا خيار للفلسطينيين سوى مواجهة هذه القوانين العنصرية، بضغوط سياسية وهجوم إعلامي وسياسي ضاغط على الاحتلال، ونقل ملف القدس برمته إلى الهيئات الدولية، وفي مقدّمتها المحكمة الجنائية الدولية. وقال: "نشهد تغوّلاً إسرائيلياً على جميع الجبهات، بدءاً بجرائم القتل والعدوان، وانتهاء بنهب الأراضي والاستيلاء على العقارات، والاعتداء على المقدسات، وكلها ممارسات ترقى إلى مستويات جرائم الحرب".

دلالات

المساهمون