"أبناء القلعة"... حكايات عن عمّان القديمة

"أبناء القلعة"... حكايات عن عمّان القديمة

03 ابريل 2018
من المسلسل (يوتيوب)
+ الخط -
حاز مسلسل "أبناء القلعة" اهتماماً كبيراً في الأردن، وهو عن رواية الكاتب الأردني الراحل زياد قاسم، وإخراج إياد الخزوز، ومعالجة درامية محمد البطوش، وبطولة ساري الأسعد، ومديحة كنيفاني ومحمد المجالي ومنذر خليل ومحمد خير جراح وأحمد سرور ورشيد ملحس وتحسين خوالدة وجورج قبيلي وآخرين. 

تناول المسلسل في ستين حلقة واقع عمان القديمة التي ضمت بين حاراتها وأزقتها تركيبة سكانية فريدة من نوعها، جمعت بين الشامي والعراقي والشركسي والشيشاني والحجازي والبدو والفلاحين، ما أثرى الحياة الاجتماعية والسياسية فيها. دارت وقائعه ما بين عامي 1952 و1967، التي وقعت في أثنائها أحداث سياسية مفصلية في تاريخ الدولة الأردنية، منها تعريب قيادة الجيش العربي، والحياة الحزبية في الأردن والدول المجاورة التي تأثر بها الشباب الأردني خلال دراستهم فيها، مثل سورية ومصر.

وقد أثرى تنوع اللهجات والجنسيات المشاركة في المسلسل العمل الفني، وأظهر التجانس الاجتماعي بين العائلات المختلفة في عمل عبر الزواج والمصاهرة والمجاورة في السكن والتجمعات النسائية الصباحية واللقاءات الثقافية والسياسية. وقد ساهمت هذه التركيبة في تلك الفترة بانتعاش الاقتصاد في عمان، وحركت عجلة التجارة بين الأردن والدول المجاورة ونشطت العملية الصناعية المحلية التي حلت محل صناعات أجنبية مشابهة.

وقال نقيب الفنانين الأردنيين السابق وأحد أبطال "أبناء القلعة"، ساري الأسعد، لـ"العربي الجديد"، وهو الذي جسد دور شخصية منعش، إن المسلسل نقطة تحول فنية كبيرة في مسيرته، حيث أعاده إلى الشاشة الصغيرة من جديد وبقوة، لمسها في ردود فعل الأردنيين الذين أظهروا إعجابهم بالعمل، وأعاد بهم الزمن إلى أيام عمان القديمة، وخصوصا في حي القلعة. وعبر الأسعد عن استمتاعه بالعمل ثمانية أشهر مع نخبة من الفنانين الأردنيين والعرب، وتشخيصه شخصية "منعش" القادم من فلسطين، والذي أسس أول معمل لصناعة الكازوز في عمّان، وصراعه مع السوري أبوعبده، صاحب القهوة الذي أصبح صاحب أشهر محل حلوى في المدينة. وقال إن الممثلين الذين جسدوا أهالي عمان في المسلسل جعلوها أيقونة عربية في عيون عشاق الدراما. واعتبر ساري الأسعد أن مسلسل "أبناء القلعة" أصبح رمزا دراميا أردنيا، يجب أن تكون الأعمال الدرامية التلفزيونية المقبلة بحجمه الفني. وأشار إلى أن المسلسل وصف حالة الأمن والأمان التي كانت ولا زالت تعيشها عمان ومن يقطنها، وحالة التجانس الاجتماعي بين مكونات المجتمع المختلفة.



وعبر الممثل المسرحي أحمد سرور عن فخره بمشاركته في "أبناء القلعة"، وقال لـ"العربي الجديد"، إن المشاهد العربي عرف الدراما الأردنية عبر المسلسلات البدوية غالبا، إلا أن هذا المسلسل بنى جسور تواصل درامية جديدة مختلفة مع المشاهد، ظهرت فيه قدرة الممثل الأردني على لعب مختلف الأدوار الدرامية. وقد أدى سرور شخصية عمران، الشاب البسيط الذي يعاني من اختلالات عقلية، ويحظى باهتمام أبناء الحي الذي يقطنه، ما يجسد حالة التكافل الاجتماعي والالتفاف بين أبناء المنطقة الواحدة على اختلاف مستوياتهم الفكرية. وقال إنه فخور بمجموعة الشباب الأردنيين الذين شاركوا في المسلسل، وأدوارهم الكبيرة التي لعبوها طوال ستين حلقة، ليثبتوا أن الدراما الأردنية مستمرة بالعطاء.



وعلى الرغم من استحسان جماهيري كبير استقبل به "أبناء القلعة"، إلا أن المسلسل تعرض لملاحظات وانتقادات، ومن ذلك أن الناقد الأدبي نارت قاخون، انتقد استحداث شخصية "نهار" في العمل، واعتبره انقلابا على الرواية والواقع، حيث يعتقد أنه لا يوجد هناك تفسير إيجابي لإقحام هذه الشخصية بسد فراغ معين. وقال قاخون إن كاتب الرواية زياد قاسم يروي في عمله سردية عمّان في بعض الأربعينيات والخمسينيات وبعض الستينيات، لا عمّان في حدودها الجديدة. والحالة العمانية في ذلك الوقت لا يوجد فيها حضور محوري لشخصية "نهار"، مؤكدا أن قاسم هو الروائي الأردني الوحيد الذي اعترف بهوية عمان، واعتز بها وعبر عنها في الرواية، ثم اغتالها هذا المسلسل الدرامي، على حد تعبيره. كما اعتبر العميد المتقاعد عمر الخوري "أبناء القلعة" مخيبا للآمال، بعد أن ركز على الأمور السلبية، ولم يقدم كل شرائح المجتمع في عمان. واستغرب مهاجمة الفترة الناصرية من دون عرض متوازن لها، ومهاجمة تجربة الوحدة بين مصر وسورية. وقالت القاصة الأردنية بسمة النسور لـ"العربي الجديد": "من الطبيعي أن نفرح، نحن الأردنيين، ولأسباب عاطفية، بالالتفات أخيرا إلى الرواية الملحمية (أبناء القلعة) التي رصدت مرحلة مهمة ومفصلية من تاريخ الأردن، والتي بذل فيها الراحل الكبير جهدا استثنائيا في عمله السردي غير المسبوق". وأضافت "أشعر بالخيبة لأن المسلسل لم يرتق إلى مستوى النص، ووقع في مطب التنميط والملل، في الإخراج الذي لم يغادر الأسلوب التقليدي، ولم يقدم أي إضافة للرواية". واعتبرت الكاتبة الأردنية عروبة الحباشنة المسلسل "فضيحة درامية"، وقالت لـ"العربي الجديد"، إنه مس المرأة الكركية (من مدينة الكرك) بشكل خاص، وصوّرها فاقدة لأي من مقومات الرقي. 

ولا تلغي هذه الآراء الانتقادية أن مسلسل "أبناء القلعة" جهد درامي فني كبير، حاول إخراج الدراما الأردنية إلى جهة جديدة، وهو زمن المدينة، ويذكّر بالعمل الدرامي "سلطانة" عن رواية الراحل غالب هلسا، وأخرجه أيضا إياد الخزوز، ما يدفع الدراما الأردنية إلى مغادرة النسق البدوي والريفي الذي عرفت به غالباً.



المساهمون