افتتاح مهرجان كانّ... تكريم ميريل ستريب أولاً

افتتاح مهرجان كانّ... تكريم ميريل ستريب أولاً

15 مايو 2024
ميريل ستريب على السجادة الحمراء في افتتاح مهرجان كانّ أمس (ستيفان كاردينال/ كوربيس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- انطلقت فعاليات الدورة الـ77 لمهرجان كان السينمائي في 14 مايو 2024، بتقديم كامي كوتين للحفل وتكريم غير مسبوق لغريتا غرويغ وميريل ستريب، مع بث مباشر للحفلة عبر وسائل إعلام متعددة.
- عرض فيلم "الفصل الثاني" لكنتان دوبيو في ليلة الافتتاح، مستمراً في تقليد اختيار أفلام فرنسية لهذه الليلة، وعُرض خارج المسابقة الرئيسية.
- "الفصل الثاني" يستكشف صناعة السينما بأسلوب يكسر الجدار الرابع، مثيراً تساؤلات حول الواقع والخيال، وظهور شعار نتفليكس قبيل العرض أثار تساؤلات حول علاقة المنصة بالمهرجان.

مساء الثلاثاء، 14 مايو/ أيار 2024، افتُتحت الدورة الـ77 من مهرجان كانّ السينمائي، التي تنتهي في 25 الحالي، بعد حفلةٍ قدّمتها الفرنسية كاميّ كوتين، ثالث ممثلة على التوالي يُسند إليها تقديم حفلتي الافتتاح والختام، بعد البلجيكية فرجينيا إفيرا والفرنسية كيارا ماستروياني.

بعد فقرة موسيقية سريعة، والتعريف بأعضاء لجنة التحكيم، واحتفاء مُبالغ به جداً، وغير مسبوق، برئيسة لجنة التحكيم، الممثلة والمخرجة الأميركية غريتا غِرويغ، قدَّمَت المُمثلة الفرنسية جولييت بينوش "السعفة الفخرية" للممثلة الأميركية ميريل ستريب، تكريماً لمسيرتها الفنية الحافلة. بهذه المناسبة، قرأت بينوش كلمة مكتوبة، عميقة ومُؤثّرة وصادقة، عن حياة ستريب وأعمالها ودورها في تاريخ السينما. ثم شكرت الممثلة الأميركية المُخضرمة مهرجان كانّ والحضور لتصفيقهم الحارّ، والاحتفاء غير المسبوق بها بعد 35 عاماً على آخر وجود لها في المهرجان.

نُقلت الحفلة مباشرة عبر التلفزيون الفرنسي وقنوات خاصة، وفي دور عرض فرنسية عدّة، وهذا جديدٌ أطلقته إدارة المهرجان العام الماضي، بعرض حفلة الافتتاح في 870 دار عرض سينمائي، في 700 مدينة فرنسية، مباشرة على الهواء.

بعد حفلة افتتاح الدورة الجديدة هذه، عُرض الفيلم الكوميدي الفرنسي "الفصل الثاني"، للمُخرج كُنتان دوبيو (1974)، تمثيل ليا سيدو ولوي غاريل وفانسان لاندون ورافائيل كوينار. وكالعادة في السنوات الأخيرة، اختير "الفصل الثاني"، الذي بدأت عروضه التجارية الفرنسية بعد حفلة الافتتاح، خارج المسابقة الرئيسية. يُذكر أنّه العام الثالث على التوالي الذي تختار فيه إدارة مهرجان كانّ فيلماً فرنسياً في الافتتاح. في العام الماضي، اختير الفيلم التاريخي "جانّ دو باري" لمايوِن، وفي العام السابق عليه كان الفيلمُ كوميدياً سيئاً جداً: "القطع" لميشال أزانافيسيوس، المشارك في هذه الدورة بفيلم الرسوم المتحركة "أغلى السلع" (المسابقة).

عادة، يكون فيلم افتتاح مهرجان كانّ أو غيره، من النوع الفنيّ الخفيف، الذي يليق فعلياً بوصف "فيلم افتتاح". هذه المرة، ينطبق الأمر بحذافيره على "الفصل الثاني". أخيراً، تجلّت الغزارة الإخراجية لكُنتان دوبيو بإنجازه خمسة أفلام في الأعوام الثلاثة الماضية، آخرها "داااااالي (Daaaaaali)"، المعروض "خارج مسابقة" الدورة الـ80 (30 أغسطس/آب ـ 9 سبتمبر/أيلول 2023) لـمهرجان فينيسيا السينمائي، ونال استحساناً كثيراً آنذاك.

وبينما يجد البعض أنّ أفلام دوبيو، بنزعتها السوريالية الهزلية الخفيفة الكوميدية، غير مُلائمة لأذواقهم، حتّى أنّه ينفي صفة الكوميديا عنها، تبقى لدوبيو قاعدة جماهيرية كبيرة في فرنسا. مُقارنة بـ"داااااالي"، الذي له قدر كبير من الأهمية الفنية والأصالة، يحضر دوبيو في "الفصل الثاني" بأسلوبه المعهود، ونهجه السينمائي المعروف بطرافته وميله إلى التفلسف غير المباشر، ومحاولة التعمّق، فكرياً وإنسانياً وسينمائياً. هذه الخلطة لم تكن مقنعة أبداً في جديده هذا.

اللافت للانتباه، ربما أكثر من الحبكة والشخصيات، بدأ قبيل افتتاحية الفيلم، إذْ ظهر على الشاشة شعار المنصّة الأميركية نتفليكس، ما أثار ضحكاً كثيراً ودهشة بين الحضور، طارحاً في الوقت نفسه تساؤلات عدّة: هل تمّ حلّ المشكلة القائمة منذ سنوات بين المنصّة الشهيرة والمهرجان، التي يتعارض نهجها مع القوانين السينمائية الفرنسية، ما دفعها إلى الانسحاب من مهرجان كانّ والسوق الفرنسية؟ لماذا لم نسمع عن التوصّل إلى حلول بخصوص هذا الأمر؟ هل سنشاهد، في الأيام المقبلة، مزيداً من الأفلام بتوقيع المنصّة؟ إنْ لم يتمّ التوصل إلى حلول بعد، هل يُعتبر "الفصل الثاني" استثناءً؟ ولماذا هذا الفيلم تحديداً؟

ينتمي "الفصل الثاني"، الذي تتواصل عروضه في الأيام الأربعة المقبلة في المهرجان، إلى نوعٍ يتناول صناعة السينما، وتصوير الأفلام، وصعوبات التمثيل والتصوير، وغيرها من شؤون الصناعة، وإنْ حاول دوبيو إنجازه بطريقة مُغايرة للمعتاد في هذا النوع، إذْ اكتفى بكسر ما يُعرف بالجدار الرابع، بجعل الممثلين يتحدّثون إلى الكاميرا عن أنّهم يمثّلون في فيلم يُصوَّر، وعن ضرورة الالتزام بنصه وحواره، في كسر متكرّر ومتعمَّد للإيهام. مع مرور الوقت، نُدرك غرض هذا الخلط بين الخط الدقيق الفاصل بين الواقع والخيال، وعلاقة أحدهما بالآخر والتأثير المتبادل بينهما، ما تطلّب حواراً كثيراً، مُمتدّاً ومُسترسلاً بين الشخصيات، رغم أنّ الأمر برمته، بما في ذلك الحبكة، اتّضح منذ الدقائق الأولى.

تريد فلورنس (سيدو)، تقديم حبيبها ديفيد (غاريل)، المغرمة به إلى حدّ الجنون، إلى والدها غييوم (لاندون). لكنّ ديفيد منزعج من ملاحقتها له، ولا يشعر بانجذاب إليها، ويريد رميها في حضن صديقه، غريب الأطوار، ويلي (كوينار). بعد مشهدين افتتاحيين طويلين، وحوارات لا تتوقف، يشرح فيها ديفيد لويلي طبيعة العلاقة، وتقنع فيها فلورنس والدها بضرورة مقابلة حبيبها وتقبّل علاقتهما، تجتمع الشخصيات الأربعة في مطعم "الفصل الثاني"، في مكان مجهول في قرية نائية، حيث لا يوجد أحدٌ آخر باستثناء النادل المضطرب بشدة، لكونه يُؤدّي أول دور سينمائي له في حياته كـ"كومبارس".

بخلاف طرح الفيلم للدور الخطر للذكاء الاصطناعي، ومدى كارثيّته في السينما تحديداً، مع أنّ إخراجه يتمّ بواسطة الذكاء الاصطناعي، في تناول مُقحم وغير عميق ولا أصيل، ليس هناك الكثير ليُقال عن الحبكة وتطوّر الأحداث والبنية والشخصيات. المُؤكَّد أنّ مُشاركة سيدو ولاندون وغاريل لأوّل مرة في العالم السينمائي لدوبيو لم تُضِف جديداً إلى مسيرتهم الفنية، في أي مستوى، بل ربما سَحَبَت الكثير من رصيدهم الفني.

المساهمون