هل تكسر إسرائيل لعنة العقد الثامن؟

هل تكسر إسرائيل لعنة العقد الثامن؟

15 مايو 2024
+ الخط -

احتفلتْ إسرائيل بعيد "استقلالها" السادس والسبعين في مراسم محتشمة، وسط أجواء يسودها الشك والتساؤلات عمّا إذا كانت الدولة قادرة على كسرِ لعنةِ العقدِ الثامن. 

والمناسبة التي كانت لعقودٍ فرصةً للاحتفاء بالدولة المعجزة وديمقراطية الشرق الوحيدة، حوّلتها تداعيات السابع من أكتوبر إلى مناسبةٍ للتساؤل عمّا إذا كانت إسرائيل ستلقى مصير المملكتين اليهوديتين السابقتين (مملكة الملك داود ومملكة الحشمونائيم)، واللتين بدأتا بالانهيار في العقدِ الثامن. 

أجواء الشك والخوف انعكست على الاحتفال نفسه، والذي طالبت عائلات الأسرى بإلغائه، فيما شدّد آخرون على ضرورةِ الاحتفال مع الالتزام بالإجراءات الأمنية. وهكذا احتفل الإسرائيليون به، ليكون العيد "الأكثر حزنًا وكآبة وإحباطًا وقسوة" على الإطلاق كما ذكرت صحيفة هآرتس، إذ تمّ إلغاء عروض الألعاب النارية، ولم تعرض مراسم إضاءة الشعلة التقليدية في المقبرة الوطنية بالقدس على المباشر كما جرت العادة، وإنّما تمّ تعويضها بعرضٍ مُسجّل.  

نفس الصحيفة تساءلت عمّا إذا كانت الدولة ستحتفل بعيدها المائة، وأشارت إلى ما قاله رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، منذ سنوات حول مستقبل إسرائيل الذي لا يمكن أن يُؤخذ كأمرٍ مفروغ منه، ووعدَ أن يفعل كلّ ما بوسعه لتحتفل الدولة بعيدها المائة. لكن المفارقة أنّ نتنياهو هو من عمل على تفكيكِ وإضعافِ دولة إسرائيل عندما وضع مستقبله السياسي كأولوية على حسابِ الدولة نفسها، حتى أصبح مستقبلها موضع شك لأوّل مرّةٍ منذ قيام الدولة، كما تقول الصحيفة. 

نتنياهو هو من عمل على تفكيكِ وإضعافِ دولة إسرائيل عندما وضع مستقبله السياسي أولوية على حسابِ الدولة نفسها

فاحتفالُ هذا العام تزامن مع مقاضاةِ إسرائيل بتهمةِ الإبادة الجماعية من قبل محكمةِ العدل الدولية وتهديدات المحكمة الجنائية الدولية بإصدارِ مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين، من بينهم بنيامين نتنياهو نفسه. كما باتَ واضحًا من خلال اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة في مايو/ أيار 2024 قرارًا يدعم طلب فلسطين للحصول على عضويةٍ كاملةٍ بالمنظمة، بما يعني أنّ موقف المجتمع الدولي تغيّر بشكلٍ ملحوظ، وإن كانت أميركا والدول الغربية الحليفة لها لا تزال تقدّم الغطاء الدبلوماسي لإسرائيل. لكن التعويل على دعم الحكومات الغربية وحده استراتيجية محفوفة بالمخاطر، لأنّ التاريخ القريب شاهد على تنكّر بريطانيا وأميركا لنظامِ الفصل العنصري في جنوب أفريقيا عندما ظهرت عليه بوادر الانهيار، رغم أنّ الدولتين دعمتا نظام الأبارتهايد لعقود. فللأنظمة الغربية حساباتها الداخلية ولا يمكنها تحمّل عبء نظام متهاوٍ، خاصة إذا ما انقلب عليه الرأي العام الداخلي كما هو الحال هذه الأيام مع إسرائيل، حيث تتخبّط ماكينة "الهاسبارا" في مواجهةِ موجة التضامن اللامسبوقة مع الفلسطينيين حول العالم. فالمسيرات والمظاهر ت الداعية لوقفِ الحرب على غزّة مستمرّة في المدنِ الأوروبية والأميركية منذ بدأ العدوان، والحراك الطلّابي الأميركي الذي أصابت عدواه جامعات بريطانية وفرنسية، شكّل صدمةً حتى لأكثر فئات المجتمع الإسرائيلي تقدّمية. وإسرائيل تعرف جيّدًا مدى تأثير الحراك الطلابي الأميركي على السياساتِ الخارجية الأميركية، وهي تقف اليوم عاجزةً أمام تهاوي سرديتها في أعين جزءٍ مهم من طلّاب جامعات النخبة وصنّاع القرار الأميركي المستقبليين. حتى إنّ صحافي هآرتس، هاغاي إلعاد، يتساءل عمّا سيحدث لإسرائيل مع تلاشي فاعلية ورقة الهولوكوست التي استعملتها إسرائيل لتحويل الأنظار عنها، ثم يردف ساخرًا: "ستكون إسرائيل بدون المحرقة، لكن صورتها ستكون محمية بفضل عبقري الهاسبارا العربي الإسرائيلي يوسف حداد وصانعة المحتوى إيلا ترافيل". 

 كلُّ مؤشرات كسر إسرائيل للعنة العقد الثامن آخذة في الانكماش، ووحدها شراهة نتنياهو تتمدّد

وهناك مخاوف تنتاب بعض المحلّلين الإسرائيليين، وهي تتجاوز تقلّص الدعم الخارجي وتوّتر العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، فداخليًا للحرب تداعيات اقتصادية كبيرة، حيث التضخم وعجز الميزانية وصلا إلى مستوياتٍ قياسية والتصنيف الائتماني لإسرائيل انخفض، ممّا ينبئ بتفاقم الانقسامات الداخلية العميقة أساسًا، بين ما يسميه كلّ من المؤرخ الإسرائيلي، إيلان بابيه، والمحلّل السياسي الإسرائيلي آلون بنكاس، دولة إسرائيل العلمانية الليبرالية المتفوّقة تكنولوجيا ومملكة يهودا، الدولة الدينية المتطرفة القومية المتعصبة المسيانية المنعزلة والمناهضة للديمقراطية. ويخشى بنكاس أنّ التوفيق بين نظامين سياسيين بهذا التنافر غير ممكن، وأنّ الإجماع على شكلِ دولةٍ تجمع المتنافرين صعب. ويضيف أنّ القاسم المشترك الوحيد بين شعبي مملكة يهودا ودولة إسرائيل هو القتال من أجل البقاء وهذا في حدِّ ذاته دليل على ضعف الهُويّة الوطنية.

كلُّ مؤشرات كسر إسرائيل للعنة العقد الثامن آخذة في الانكماش، ووحدها شراهة نتنياهو تتمدّد، فهل تبتلع مملكته (يهودا) دولة إسرائيل؟ 

غادة تهميش
غادة تهيمش
كاتبة تونسية مقيمة في لندن، حاصلة على شهادة الماجستير في الاعلام السياسي من جامعة غولدسميث - لندن.