"الإنفلونسرز".. غزّة تؤلمهم لكنهم الضحية!

"الإنفلونسرز".. غزّة تؤلمهم لكنهم الضحية!

14 مايو 2024
+ الخط -

رغم ما نرى في غزّة منذ ثمانية أشهر على العدوان وفواجعه، وبينما الضحايا بمئاتِ الآلاف، ما بين شهداء وجرحى وأسرى ونازحين ومفقودين وفاقدين.. في الشوارع، وتحت الأنقاض، وعلى الأرصفة، فإنّ "نخبةً" رخوةً من القوم ما زالوا يرون أنفسهم الضحية الأولى، هم المهاجَمون من قبَل الغوغاء والعامة والدهماء، لا يتفهم أحدٌ موقفهم وهم يروّجون لعلاماتٍ تجاريةٍ عالميةٍ داعمةٍ للاحتلال، لأنّهم لا يدعمون إلا فروعها المحليّة فقط، ولا أحد يتفهّم ما يضحّون به لأجلنا، وهم الذين يعيشون في حياةٍ صعبةٍ وقاسيةٍ من ضرائب الشهرة الباهظة، من أجل تصويرِ منتج أو الجري على "أكل العيش"، بينما يتخلّون أحيانًا عن بعضِ المحتوى لأجل غزّة، وأهلها، بينما يضعون علم فلسطين كمطهّر، وصك غفران، يغسلُ عار وجوههم من حين لآخر في محتواهم الهابط!

تئنّ غزة وتصرخ وتبكي دمًا، وهم في أبراجهم العاجية التي اشتروا مساكنهم فيها من إعجابِ الجماهير وانبهارِ المنبهرين، ينظرون إلى المدينة المنكوبة كعرَضٍ جانبي غير جدير بذلك القدر المبالغ فيه من الاهتمام، مستعدّين بكلِّ أسلحتهم للمنّ علينا حين نذكّرهم بغزّة، بأننا "لا نعلم" ما يعيشونه وما يقاسونه من عذابات تضامنًا معها، رغم أنّ الصور تخبرنا بعكس ذلك تمامًا، ويخبروننا بأن ليس عليهم إخبارنا بما فعلوا مخافةَ الرياء، لأنّهم ينفقون بسخاء، ويتبرّعون ببذخٍ، لصالح هؤلاء المساكين!

يتجاهلون المطالبات المليونية بأن يستيقظوا ولو مرّة، غزّة لا تحتاج إليهم، وإنّما هم من يحتاجون ليكونوا شرفاء ولو هذه المرّة، أن يكونوا أكثر غيرةً وشهامةً ومروءةً، بأن يتكلّموا، بأن يذكروا فلسطين بالشكل الذي يليق بها، وليس كما فعل أحدهم ذات يوم حين ذكرها في "مقطع فيديو" بنظرةِ المستشرق، وأنّ ثمّة "صراعًا" في "الشرق الأوسط" بحاجةٍ إلى التوقف، وثمّة جوعى بحاجة للمساعدات، فيقتدون به في نظرتهم للقضية، التي وُلد البعض داخل أرضها، أو ينحدر من نسلها، بينما يتسكّع في عالمه الذي لا ينتمي إلى أيّ مكانٍ سوى هواه، رامقًا غزّة بطرفِ عينيه، حاملًا تجاهها الغلّ كلّه، لأنّها وضعته في ذلك الموقف المُحرج أمام الجماهير المتربّصة بنجاحاته، الحاقدة عليه!

يمنّون علينا بأنّنا "لا نعلم" ما يعيشونه وما يقاسونه من عذابات تضامنًا مع غزّة، رغم أنّ الصور تخبرنا بعكس ذلك تمامًا

يخشى الواحد منهم أن يحرم من زيارةِ مدن الأضواء إن ظهر مناصرًا (ولو قليلًا) للقضية الفلسطينية، وأن يخسر ولو إعلانًا بين إعلانات كثيرة، وأن يفقد دولارات من دخله فداءً لكلمة قالها، فيختارُ طريقَ الجبناء في التعبير عن تضامنه، بينما يملك نافذةً ومذياعًا ومنبرًا ومنصةً، يبعد الميكرفون عن صوته، ويهزّ خصره كجزءٍ من محتواه المعدوم، بينما يدسّ في جيب طفلٍ من غزّة نذرًا من أمواله! 

أيّ مجتمع ابتلينا به؟ وأيّ وهم يغرقون فيه؟ ذاك المستنقع البعيد، والوادي المقزّز، والفقاعة اللزجة التي يقضون فيها أعمارهم، وهم يمنّون على الناس أنّهم منهم، ثم حين يطالَبون بموقفٍ نبيلٍ واحدٍ، يصيحون، ويبكون، ويهاجمون الناس، ويستعرضون شعورهم الزائف، في دورِ "الضحية"!

"بلوك" لهؤلاء هو أبسط ردٍّ من الواجب اتخاذه، لأنّ تلك الجماهير سئمت، هذه الملايين خُذلت، ليس لأنّ من خذلوهم لهم قيمة، أو سيفعلون شيئًا له قيمة، ولكن لأنّ ما سيفعلونه أيًّا كان فهو مقارنةً بما يحدث، يكاد يكون بلا قيمة، ومع ذلك يُحجمون عنه، ويخشون أن يقوموا به.

يا لوقحاتهم!