التيفوئيد بدأ يتفشّى بين السورييّن.. ماذا بعد؟

التيفوئيد بدأ يتفشّى بين السورييّن.. ماذا بعد؟

23 يوليو 2014
المياه الملوّثة السبب الرئيسي لانتشار التيفوئيد (فرانس برس/Getty)
+ الخط -

سجلت المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة السوريّة هذا العام أرقاماً مضاعفة من حالات الإصابة بالحمى التيفيّة أو التيفوئيد، مقارنة بالإصابات المسجلة في الأعوام السابقة، بحسب ما أفاد أطباء ميدانيّون في داخل سورية. فثلاث سنوات من الفوضى والفقر، كانت كفيلة باستشراء المرض الذي ينتقل بالعدوى.

وتعدّ المياه الملوّثة السبب الرئيسي لانتشار المرض الذي تسبّبه بكتيريا "سالمونيلا تيفي". ولأن المياه النظيفة في سورية لا تصل إلى الكثير من البلدات والقرى، يضطرّ سكانها إلى الاعتماد على مياه الآبار.

ويقول الدكتور عباس (اكتفى بالإشارة إلى اسمه الأول) من بلدة سلقين في ريف إدلب، "ما إن يفقد النظام سيطرته على منطقة أو قرية حتى يعمد إلى معاقبتها بقطع إمدادها بالخدمات. فتنقطع مياه الشرب ومصدرها شركة المياه، وتُترك مهمّة جلب المياه إلى السكان أنفسهم. فيلجؤون إلى مياه الآبار السطحيّة لسدّ حاجتهم". وعن تسبّبها بانتشار المرض، يشرح لـ"العربي الجديد" أن "مياه الآبار في الغالب ملوّثة وغير صالحة للشرب. وقد حفرت معظمها في أماكن وأعماق غير مدروسة لأغراض زراعيّة، ما يعرّضها للاختلاط بمياه الصرف الصحي وهو أساس الإصابة بعدوى التيفوئيد".

ويوضح أن للانتشار السريع لهذا المرض بين السكان أسباباً إضافيّة، إذ "ينقل سكان معظم الأرياف في إدلب المياه من الآبار إلى الخزانات عبر صهاريج معدنيّة تساعد على انتقال البكتيريا. أما التجمعات السكانيّة للنازحين حيث تُستخدَم الحمامات المشتركة، فهي تشكّل حاضنة خصبة لانتقال البكتيريا، كذلك تساعد ظروف عدم توفّر العلاج وحلول فصل الصيف في زيادة صعوبة السيطرة على المرض".

لا يتوفّر العلاج بشكل مستمرّ لمعظم مرضى التيفوئيد. ويقول الصيدلاني أحمد (اكتفى بالإشارة إلى اسمه الأول) من ريف جسر الشغور إن "العلاج يعتمد على المضادات الحيويّة وبعض المسكنات والمحاليل التي تعطى عبر الوريد في الحالات الخطرة. إلا أن هذا العلاج غير متوفّر بشكل دائم، فشحنات الأدوية تصل بصعوبة إلى القرى المحرّرة بسبب الطرقات المقطوعة والأخطار. أما الكميات التي نحصل عليها فلا تفي بالحاجة. كل ما أحصل عليه من أدوية، أقوم بتصريفه في خلال يومَين بسبب زيادة الحاجة والطلب".

مبادرات وتوعية
وفي حين تنعدم المبادرات الجديّة للقضاء على المرض، تقوم مجموعة من الأطباء والصيادلة العاملين على تماس مع المرضى بمبادرات توعويّة ضمن الإمكانيات المتوفرة. ويخبر الدكتور صلاح (اكتفى بالإشارة إلى اسمه الأول) في إحدى قرى جبل الزاوية، "بدأت مع مجموعة من زملائي حملة للتوعية حول المرض. فأصبح معظم السكان اليوم يملكون معرفة جيّدة به وبطرق الوقاية منه، كتجنّب تشارك المريض وأفراد العائلة بالطعام والأدوات الشخصيّة، بالإضافة إلى غلي مياه الآبار إن لم يستطيعوا الحصول على مياه للشرب. كذلك ننصح المصابين بالتعايش مع أعراض المرض ونقوم بدورنا بمحاولة تأمين الدواء لهم بشكل مستمرّ". يضيف أن "حاملي المرض غير المشخصين هم الأخطر في نقله. لذا ننصح الناس بمراجعة مستوصف القرية بشكل دوري خصوصاً عند ظهور الأعراض النمطيّة".

وينتشر التيفوئيد في أماكن متفرّقة من الأراضي السوريّة. وتعدّ المناطق المنكوبة ومعظمها تقع تحت سيطرة الجيش الحرّ أكثر المناطق التي ينتشر فيها المرض، والسبب بحسب عباس هو "الاكتظاظ السكاني وانهيار منظومة توفير المياه الصحيّة ونقص العلاج بشكل أكبر في المناطق المحرّرة".

وقد سجّلت قرى وبلدات في أرياف مدينة إدلب وحلب واللاذقية والريف الشرقي لدير الزور والغوطة الشرقيّة في دمشق، أعلى نسب إصابة بالمرض. وعن أعداد المصابين يقول الدكتور غدي (اكتفى بالإشارة إلى اسمه الأول) وهو مدير أحد المستوصفات في ريف اللاذقية، "لا توجد إحصائيات دقيقة، إلا أن سجلاتنا تشير إلى تباين في نسبة انتشار المرض بين هذه القرى. 20 في المئة من سكان ريف جسر الشغور مصابون بالتيفوئيد بينما ترتفع النسبة إلى أكثر من 60 في المئة في بلدة سلقين. ويشكّل الأطفال نحو نصف هذه الإصابات".

يُذكر أن الأمم المتحدة كانت قد دقّت ناقوس الخطر في مطلع العام الفائت، وحذّرت على لسان مديرها للأمراض المنتقلة جواد مهجور من "مخاطر الأمراض المنتقلة عبر المياه على الصحة العامة، خصوصاً التهاب الكبد والتيفوئيد والكوليرا". إلا أن انتشار المرض تبعاً للدكتور غدي بات "خارجاً عن السيطرة، والأسوأ أن أعداد المرضى تتضاعف من شهر إلى آخر".

دلالات

المساهمون