صمت يشبه كلمة مبتورة

صمت يشبه كلمة مبتورة

27 اغسطس 2015
"المراكمة بحثاً عن جهة"، شيهارو شيوتا/ اليابان
+ الخط -


الصمت

الصمت مسدس لا مرئي مصوب إلى جبهتنا. الصمت، لا يسع أحد سماعه دون أن يصاب بالجنون أو الصمم.


ذبابة
لا أعرف إن كانت نفس الذبابة أم أخرى، أراهن أنها هي أيضاً لا تعرف. الذبابة لا تميز نفسها عن الذبذبة، مثل ممارسي التأمل التجاوزي، كل الذباب يقيم في الروح الكونية واللامتعينة للذبذبذبذبذبذبذبذبذبذذبذ... لست حتى متأكداً أنني أسمعها؛ المسافة ليست كبيرة بين الذبابة وفكرتها. أستمر بالإصغاء. أنتفض مثل قط إذ ألامس وضوح الذبذبة الذي لا يحتمل. الصمت ذبذبة لامتناهية الكثافة.


حرج
انتصاب في غير محله، ضجر مفتعل وصمت يشبه كلمة مبتورة.


انزلاق
الدرجات تتدحرج من تحت قدمي، الفضاء يفرغ من حولي، أهوي داخل نفسي، أعضائي تتمدّد داخلي إلى ما لا نهاية.


غفلة
الانتباه، تلك النقطة الوهمية المحشورة داخل نفسها. في غفلة أحوّل نظري عنها وأرخي عينيّ في العشب. أصمت داخل رأسي ويتدفق فيّ العالم دفعة واحدة..


قفزة
سعادة ساكنة تنزلق على حياتي كالمغيب، سعادة مكتملة لا تصبو إلا إلى الغياب. أمد يديّ نحو الشمس.. وأقفز.


غروب
لا أعلم إن كانت الشمس أو البؤبؤ ما يغرب في عيني.
جفن النهار ينغلق ببطء باتراً الكرة الأرضية إلى نصفين.


تفسير
في طفولتي كنت أعتقد أن الناس تهرم لأنها تستوي تحت الشمس. لا بد أن بشر ما قبل التاريخ اعتقدت الأمر نفسه لذا انسحبت إلى الكهوف ناشدة الأبدية. الأشباح لا تهرم لأنها تكتفي بالحد الأدنى من الوجود، ليس الضوء الّذي يخيفها، بل الزمن.


الحائط
الحائط لا ينتهي عند أطرافه بل يتعمق نحو الداخل. إذا حدقت بالحائط مطولاً فسيتجلى لك عن حائط آخر. الحائط كثافة لامتناهية من المرايا.


أرق
بعض حضيض في السماء، بعض سماء في المرحاض، صور تستنزف نفسها قبل أن تظهر، أطراف تمتد بلا نهاية، عينان فاغرتان تتجرّعان الألم بلا رَمْش والحاضر فم مفتوح على وسعه يجرع المطلق. وعند الفجر أغسل السماء وأرضع من أثداء الغيوم.


لحظة الحقيقة
لحظة الحقيقة، حين أضغط على الزناد، حين يخترق اليقين الحديدي رأسي.. ارتجافة الروح حين تلمس المسافة الفارغة بين الممكن والمستحيل.


إجهاض
اللحظة أبدية مُجهَضة.


تفسير 2
في طفولتي، كنت أظن الجوع جرذاً مفترساً يمكث في بطني. كان عليّ إطعامه بانتظام كي لا ينقض على معدتي. كنت أعتقد أنه نفق في بطون العجائز بعد أن التهمهم من الداخل، ما يفسر جلدهم المترهل ورائحة أفواههم الكريهة.


عصفور العَظَمة
عصفور العَظَمة يصرخ في رأسي، ينفخه مثل بالون. تدور عيناه مثل فتحة الروليت، تمر بهما الصور المشتهاة التي صارت بلا طعم من كثرة اجترارها. يصرخ بي: أنت الأعظم، أنت الأكبَر، أنت الأروَع! أحاول تجاهله فيتصاعد انفعاله وتحمرّ وجنتاه، ينفش ريشه ويضمّ منقاره بحيث يغدو أشبه بشاربي هتلر. يستحيل صراخه هديراً متسارع الوتيرة وتتزاخم الصور في عينيه إلى أن تصير ضوءاً معمياً، ثم "يَفقَعَ" مالئاً رأسي بالرغوة فأشعر بتخمة من الخواء. عصفور العَظَمة الذي جرجرني في العواصم الأوروبية. عصفور العَظَمة الذي لم يفهم بعد أنني لا أجيد الطيران.


سر
في سر السرير، أصبع مستوحد يغرق في الفراغ، يداعب أطيافاً متذبذبة نشوةً.


فَيض
يخال المتصوف نفسه شلالاً يتدفق داخل نفسه، ثم يستيقظ وقد طفح البول داخل بنطاله.


غيابان
غيابك أكثر ما أحبه فيك. أحتاج لغيابك شاهداً على غيابي. غيابان يملئان بعضيهما.


ضعف لا يقهر
كل ذلك الضعف المتراكم جعلني لا أقهر.

دلالات

المساهمون