بإيقاع موسيقي ضمني، وبلغةٍ رشيقة تتحدّى مناعتها عبر ضربات قوية وناعمة، وبجُمَلٍ ذكية مختزلة تُفصح عن غنى التجربة، نتابع في رواية الكاتب العراقي مصائر الشخصيات، حين يطبق على المجتمع ظلامُ نظامِ الحزب الواحد وسياسة الحروب التي جرى انتهاجها.
لا يمكن لزنزانةٍ إلّا أن تشي جدرانها بالرائحة والصوَر. يافعة، لا يكفّ جسدي عن الرجفة طوال الليل، ليس خوفاً فقط. لفرحي به، كنتُ أنظر في المرآة الصغيرة إلى جانبي. جسدي وهو يُهدى إليه. تروح أظفاري تُقشّر طبقات طلاء الجدار حذوَ السرير.
تعالي، لنقف في الزاوية، اقتربي، انظري كيف يوتّر أذنيه كلما هبَّ النسيم، كما يُشَّدُ الوترُ كي ينطلق بأقصى سرعته ويضرب الهدف، كما لو كانت الريح تشدّ صيوانيهما كي تسقط الهمسة بداخلهما تماماً فلا تتمكّن من الإفلات والسقوط على العشب.
لا يسكنني الخوف البتة، لا أبالغ بالتعقيم، أتّبع التعليمات حرفياً لقاء تركي وشأني. ليس بالضرورة أن يكون هناك من معنى في ما نواجهه. الفداحة أقرب إلى الشهقة في الوقت الذي يمرّ من دون رؤية من نحبّهم.
سيرخصُ الخشب، أحفظُ صوتَها عن ظهر قلب، له رائحةُ الحطب/ ضَعي الماء على النار وخذي في حسابك أصدقائي/ ثيابُنا يجب أن تنظف من أمراضهم/
آنَ لنا والأشجار أن نشيخَ ونهرم/ ستنتهي الحرب/ وسأصنعُ لكِ سريراً أكبر.
نرقص على الحافة ولا نصرخ/ كائنات خفية انقذفت ولم تصل بعد/ حبالٌ مفتولة من الكلمات شبكة غير مرئيةٍ/ لرفع الأذى عن الساقطين أسفل الهاوية مصدّات رياح للهائمين/ جدران عازلة للصوت إن احتجنا/ نجومٌ تحرص على مسح آثارها في الصباح.
أنهضُ بذراعٍ مشلولة تتطوّح سَكْرى. ذراعي التي يصعب أن تدخل في كمّ القميص، التي هي قلمي الحميم، أرفعُها باليد الثانية وأضعها على لوحة المفاتيح فتختار الأصابع بنشوتها كلمةَ مرورٍ نابية، شيءٌ من قبيل أنت وعزلتك وتختم برقمٍ لا أعرف سرّه.
الصوت الرتيب الذي يهدأ قليلاً قليلاً في زوايا المدينة. الألوان ذاتها للأزياء التي تحتل واجهات المحلات. المواعيد التي تنقل دمدماتها من الأرصفة والمتنزهات إلى عمق المقاهي وداخل البيوت. الأوراق التي تستعد لشحذ صوت يباسها بتساقطها على الأرض.
ذكرتني الخليل بساحة سجن مفتوحة مسوّرة تحت أبراج الحراسة المشددّة يُسمح فيها للمساجين (الفلسطينيين) بالتمشي والتهوية لساعة أو ساعتين نهاراً. إنها سياسة عنصرية تعمد إلى إنتاج جسد مقطّع -معازل فلسطينية- تهدف إلى سحق الفرد وإلغاء وجوده