أطفال سورية يتغلبون على ظروف الحرب بمواهبهم

أطفال سورية يتغلبون على ظروف الحرب بمواهبهم

04 فبراير 2016
بدأت موهبة محمد عندما كان في السادسة (العربي الجديد)
+ الخط -
في مدينة حلب شمال سورية، في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية والتي أنهكها القصف والدمار الذي أدى لمقتل الآلاف وتشريد الملايين، آثر الكثير من أبناء المدينة البقاء فيها رغم كل المآسي والصعوبات التي تواجههم كل يوم في حياتهم، حيث يقدر عدد المدنيين القاطنين في مدينة حلب في القسم الخاضع لسيطرة المعارضة السورية حسب احصائيات المنظمات الاغاثية بحوالى 800 ألف نسمة دون الريف.


في حي سيف الدولة، الذي يعتبر من الأحياء المحاذية للمناطق الخاضعة لسيطرة النظام، يقطن الطفل محمد قطيش، الملقب بالمهندس الصغير، وعائلته المكونة من 5 أشخاص، محمد طفل موهوب، لم تثنه ظروف الحرب وقساوة الحياة في أخطر مدينة في العالم عن كبت موهبته، بل كانت كل الظروف محفزاً له على إطلاق ما تضمره نفسه الطفولية من مواهب.

يقضي محمد معظم وقته في تلك الغرفة الصغيرة التي أعدها لإنشاء مجسمات عن مدينته "حلب" التي طالما أحبها ويتمنى أن يكون أحد القائمين على إعمارها في المستقبل.

بدأت موهبة محمد عندما كان طفلاً في السادسة من عمره، حيث كان يعشق الرسم، يشتري له والده كل ما يحتاجه لإفراغ موهبته التي لاحظها معلموه في المدرسة قبل بدء الثورة السورية، يقول وائل قطيش، والد محمد: "كان ابني منذ صغره مولعاً بالرسم، كنت أشتري له دفتر رسم كل أسبوع تقريباً مع الألوان وكل ما يحتاجه من أدوات، وكان معلموه في المدرسة معجبين بموهبته التي كانوا يعتبرونها موهبة حقيقية تضاهي عمر محمد، لما بدأت الثورة السورية، أصبح يدور في مخيلته أشياء عن الحرب وأدواتها، وأصبح يرسم عن الأطفال ويصنع مجسمات عن مدينة حلب المدمرة، وكذلك مجسمات عن مدينة حلب التي يراها هو في المستقبل، حتى لاقى ذلك إعجاب وسائل الإعلام هنا، وكذلك المنظمات الإنسانية التي دعت محمد للمشاركة في معرض سيقام خلال الأيام القادمة في مدينة غازي عنتاب التركية بحضور شخصيات كبيرة من الحكومة التركية والحكومة السورية المؤقتة وكذلك منظمات وشخصيات مهتمة بالشأن السوري، سأدعم ابني حتى النهاية لأني أحد المعجبين بأعماله".

بعد سيطرة قوات المعارضة على معظم أحياء مدينة حلب، بدأ محمد يرسم بمخيلته مدينته المستقبلية، وبدأ يصنع مجسمات من الورق المقوى والكرتون تحاكي شكل مدينة حلب بعد سقوط النظام، حيث الشوارع المنسقة والأبنية المتناسقة وكذلك حركة السيارات في تلك الشوارع وكثير من الأشياء التي يمكن أن نشاهدها في المدن المتقدمة، يقول محمد قطيش لـ "العربي الجديد": "في البداية وبسبب إغلاق المدارس في مدينة حلب كنت أحاول أن أقضي على الملل وملء وقت فراغي بالرسم وصناعة الأشكال والمجسمات عن طريق الكرتون والورق المقوى، قمت في بادئ الأمر بصناعة مجسم جميل لمدينة حلب وريفها بعد انتهاء الحرب، كيف ستكون المدينة وكيف يحلم الجميع بها أن تكون، استغرق الأمر نحو 3 أشهر حتى أنهيت المجسم، لما شاهد والدي المجسم لاقى إعجابه بشكل كبير، وقام بدعوة أصدقائه والإعلاميين في مدينة حلب، الذين بدورهم أعجبوا بالفكرة وأعجبوا بطريقة التصميم، وهنا بدأت مرحلة أخرى في حياتي، حين أصبحت وسائل الإعلام العالمية تتهافت على الغرفة التي أصنع فيها المجسمات والرسوم، حظيت باهتمام العديد من وسائل الإعلام وأجريت عدة مقابلات، في ذلك الوقت طلبت مني إحدى المنظمات بإنشاء معرض شامل في حين لقي إعجابهم سيتم دعوتي إلى معرض في مدينة غازي عنتاب التركية، طلبت من والدي تأمين جميع المستلزمات للمعرض الجديد وفعلاً أنهيت المعرض خلال شهرين، وكان يتضمن في هذه المرة مدينة حلب في ظل القصف الذي تتعرض له وفي ظل الخراب".

يضيف محمد: "رسمت العديد من اللوحات الفنية للمتظاهرين أيام المظاهرات السلمية وكذلك رسمت لوحات فنية رائعة على جدران المدارس في مدينة حلب، أنا طالب في الصف التاسع الآن، أحظى باهتمام المعلمين في مدرستي وهم يقومون أيضاً على تشجيعي وتنمية موهبتي، في فترة العطلة الصيفية بدأت بالإعداد للمعرض الذي سيقام في مدينة غازي عنتاب التركية خلال بضعة أيام، المعرض سيتحدث عن المعالم الأثرية المشهورة في سورية، كقلعة حلب، ومدرج بصرى، وقلعة الحصن، وتدمر، وغير ذلك من الأشياء التي تدل على حضارة سورية ورقيّها على مرّ التاريخ".

محمد كغيره من الأطفال يرغب في أن يعيش بسلام مع عائلته وأن تعيش بلاده بسلام، يحلم أن تنتهي هذه الحرب التي طال أمدها وأن يشارك في بناء سورية الحديثة بعد أن يصبح مهندساً معمارياً، لا يريد محمد أن يترك بلاده فهو يعتبر مدينة حلب من أحب المدن إلى قلبه بسبب ما عاناه وعائلته في فترة النزوح بداية تدهور الأوضاع الأمنية في مدينة حلب، يقول محمد: "لا أريد أن أغادر حلب، فهي أعزّ المدن إلى قلبي، بداية الثورة المسلحة جربنا النزوح مع عائلتي ولكن لم نرتح أبداً، أفضل البقاء في حلب على النزوح إلى مكان لا أجد نفسي فيه، أحلم في أن أنهي دراستي وأن أكون مهندساً معمارياً، لأساعد في بناء سورية المستقبل كما رسمتها مخيلتي، كما رسمتها في مجسماتي، بلادنا جميلة ولدينا القدرات على فعل ذلك وهذا أمر ليس بمستحيل، أتمنى أن تنتهي هذه الحرب وأن يعود الجميع إلى ديارهم، وأن يعيش أطفال سورية بأمان، أتمنى أن يساعدنا العالم على وقف الدماء التي تسيل في بلادنا وعلى وقف الدمار الذي أصبح عنواناً في كل حي من أحياء مدينة حلب".

(سورية)

المساهمون