تحديات العدالة الاجتماعية بالدول العربية

تحديات العدالة الاجتماعية بالدول العربية

28 يناير 2016
يعرف العالم العربي نظاماً ريعياً يسيطر على بنيان اقتصادياته(فيسبوك)
+ الخط -
تتجلى العدالة الاجتماعية في تلك الحالة التي ينتفي فيها الظلم والاستغلال والقهر والحرمان من الثروة أو السلطة أو كليهما، ويغيب فيها الفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعي، وتنعدم الفروق غير المقبولة اجتماعيًا بين الأفراد والجماعات والأقاليم داخل الدولة، ويتمتع فيها الجميع بحقوق اقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية متساوية وحريات متكافئة.


إنها الحالة التي يعم فيها الشعور بالإنصاف والتكافل والتضامن والمشاركة الاجتماعية، ويتاح فيها لأعضاء المجتمع فرص متكافئة لتنمية قدراتهم وملكاتهم وإطلاق طاقاتهم من مكامنها وحسن توظيفها لصالح الفرد.

ويعرف العالم العربي نظاماً ريعياً يسيطر على بنيان الاقتصاديات العربية، لذلك فاعتماد الدول العربية على الموارد الطبيعية كأساس لإيراداتها هو بمثابة تكريس للطبيعة التحصيصية تكون الدولة فيها راعية للفساد ووكالة لتوزيع الإكراميات والرخص والهبات والامتيازات للرعايا وليس حقوقاً للمواطنين، ويتم التحول إلى دولة الكمبرادورية التي تستند إلى شبكات اقتصادية ودوائر سياسية جمعت بين رجال الأعمال والمسؤولين في السلطة التنفيذية وأجهزة الأمن عبر روابط وشائجية من قبيل الانتماء العائلي، القبلي، الإثني والطائفي، معلنة بذلك عن إفراغ المؤسسات الوطنية من كينونتها المبنية على الإسهام في الرقي بأداء الإنتاج الوطني وتحويلها إلى مبانٍ صورية تسبح في يَمّ الفساد وتقطع أوصال الثقة ومعاني التماسك والسلم الاجتماعي داخل المجتمع.

على نحو مماثل، تتسم الأنظمة الاقتصادية العربية بظاهرة "المرض الهولندي" أي وجود وفرة مفرطة من الموارد تؤدي إلى تراخي الدولة واتكالية مواطنيها، إلى جانب تصاعد مطرد للعنة النفط التي تصيب الدول بنذير شؤم وفأل سيئ جعل غنى الدول بالمصادر النفطية متلازماً مع غرق الشعوب في براثن الفقر وضعف التنمية. وبالنسبة للدول غير النفطية، تجد في المساعدات الأجنبية وتحويلات المغتربين في الخارج ضالتها المالية مع افتقار مهول لقاعدة اقتصادية معرفية يمكن أن تكون رافعة وقوة دافعة للاقتصاد العربي، حيث أن الإنفاق الإجمالي على البحث والتطوير لا يتجاوز %0.2 من الناتج المحلي الإجمالي، أما الاختراعات العربية فتمثل %0.1 فقط من الإنتاج الفكري والعلمي الدولي.

وبصفة عامة، ترتبط إشكالية الريع في العالم العربي بسوء توزيع مردُّه إلى انحراف السياسة الاقتصادية إلى سياسة مصروفات لا تعتني بالرفع من المردودية عبر التصنيع والاستثمار في قطاعات إنتاجية مثمرة، وبوضع برامج إنمائية تدعم البنية التحتية المهترئة في الدول العربية، بل تنشغل بتوفير غطاء حاجب للتربح والمضاربات واحتكار الأسواق.

وإجمالاً، فإن ترسيخ العدالة الاجتماعية بالعالم العربي يستوجب الاعتماد على أربعة مبادئ رئيسة، أولها مبدأ الحرية على قدم المساواة، مبدأ تكافؤ الفرص، مبدأ التمييز الإيجابي متمثلاً في إعطاء امتيازات اجتماعية واقتصادية لتحسين الأفراد الأقل حظاً في المجتمع كتخصيص حصة من الوظائف العامة للأشخاص المعاقين باعتبارهم عنصراً من المجتمع غير قادر على ولوج التوظيف بشكل طبيعي، ثم مبدأ الإخاء الذي يعمل على وأد الضغائن والحقائد الاجتماعية المترتبة على التوزيع.

وتبرز بؤر العدالة الاجتماعية بالعالم العربي في سياسات الدعم على المواد الأساسية مما يدعو إلى استهداف دقيق للفقراء، وكذلك في السياسة الجبائية التي تظل حبيسة لحيف ماثل للعيان يجب معالجته بضرائب تصاعدية وضرائب على الثروة تعيد هيكلة النظام الضريبي العربي، عكس ما يطرح على أن لها تأثيراً على الاستثمارات الأجنبية، فالصين هي أكبر جاذب للاستثمارات، على رغم من أنها تطبق أعلى المعدلات الضريبية على المقاولات بنسبة 45%، في حين أن المعدل العالمي هو 35%.

علاوة على ذلك، فمواجهة الفقر تنص على حصر العوز المالي للفقراء بتوفير تعليم جيد وتغطية صحية وتأمينات اجتماعية، وندرج هنا نموذج البرازيل التي استطاعت مجابهة الفقر بتقديم دعم للأسر الفقيرة مشروط بتعليم الأبناء وتكوينهم للمستقبل.

وبذلك، فإن اتساق الحرية بالمساواة داخل منظور العدالة يتم من خلال ظهور عنصر ثالث وهو الإخاء الذي يزكي التوفيق بين النجاعة الاقتصادية والمساواة الاجتماعية، وتظهر طياته في قيم الإنصاف، الجدارة والاستحقاق، الأمر الذي يجعل الكفاءة معياراً للاختيار.

وصفوة القول، إن العيش المشترك السلمي بالدول العربية والخالي من الاقتتال الداخلي والصراعات رهين بتحقيق شروط العدالة الاجتماعية كمنطلق للتطور الحضاري.

(المغرب)

المساهمون