الإخوان والعنف

الإخوان والعنف

02 يوليو 2015
ليس المراد الدفاع عن الإخوان، والدفاع ليس جريمة(فرانس برس)
+ الخط -

منذ اللحظات الأولى لدولة 3 /7 /2013 خرج خطابان، أحدهما لمرشد الجماعة المنقلَب عليها، قال فيه: "سلميتنا أقوى من الرصاص"، والآخر لقائد الجماعة المنقلِبة الذي قال فيه داعيا لجمعة التفويض: "ادوني تفويض وأمر.. لمحاربة الإرهاب المحتمل"، فكأنه كان يريده ويطلبه.

في أولى اللحظات وبعد سقوط قتلى أثناء اعتصام رابعة -قبل فضه- خرج الخطاب الرسمي للمرشد مؤكدا على ثوابت فكرية وتنظيمية، لطالما ميّزت الإخوان عن باقي التيارات الإسلامية الحركية، ومع إجرام غير مسبوق من النظام بدا أن هناك تزعزعا في صلابة الفكرة، فانتقلنا لمرحلة السلمية المبدعة، إلى أن وصلنا لما يسمى بالخيارات الثورية من دون تحديد ماهيتها، لكن المفهوم أنها بمقابلة السلمية كما بدا من الأزمة الداخلية للجماعة.

لا شك في أن هناك من انساق إلى فعل النظام فصار في موقف رد الفعل، والمسوغات مفهومة -بغض النظر عن القبول بها- فخرجت منذ ستة أشهر حركتا "العقاب الثوري والمقاومة الشعبية" وكلاهما تم إلصاقهما بالإخوان، ولم يوجد ما يدل على ذلك، وكذلك لم يبدُ من الإخوان -فيما أعلم- نفي رسمي للصلة بهما.


أغلب الظن أن الأمن تدخل لحسم الأمر في الخلاف الأخير في الجماعة بإخلاله ميزان القوى، فاعتقل أبرز القيادات التي كانت تدعو إلى السلمية، وظن الجميع بعدها أن اتجاه "الخيارات الثورية" هو الغالب، إلى أن خرج علينا بيان المتحدث الإعلامي للجماعة 25 يونيو، ليصوّر أن هناك تغيرا في الاتجاه، ويعلن بوضوح رفض العنف بعد يومين من تبني مجموعة العقاب الثوري إعدام أحد المواطنين بزعم أنه عين للأمن.

قال منتصر: "لقد حاول العسكر بجرائمه.. خلق العنف وصناعته وتفجيره داخل بلادنا، ودأب على نشر أسلوب القتل والثأر والانتقام.. إننا ندعو كافة شباب مصر المخلصين ألا ينساقوا إلى ما تدعوهم إليه سلطة العسكر بالانزلاق في فخ العنف الذي تخطط له أجهزته وأذرعه بكل ما أوتيت من قوة ونحن نرفضه تماما"، كلام منتصر تشريحٌ لأسباب العنف، وكذلك دعوة وطنية لنبذه وعدم الانسياق وراء مبتغى السلطة، والمعلوم أنها تقتات عليه وتبرر بقاءها ومعركتها به، وهو ملعب أي سلطة مستبدة، والدخول فيه خسارة للداخل لا لصاحب الأرض.

ليس المراد الدفاع عن الإخوان -والدفاع ليس جريمة- بقدر إرادة وضع الأمور في نصابها، فالمشاهَد أن الجماعة في بداية الأزمة شجبت عمليات بسيناء، ثم انتقلت للسكوت، فقدم السفير الألماني الوصف الأدق لتلك الحالة بقوله: "صفحاتهم الإلكترونية وبعض قنواتهم تتضمن نوعا من التسامح مع العنف والإرهاب، لكن هذا لا يعني أن لدينا دليلا قويا يثبت ضلوع الإخوان في العمليات الإرهابية"، فالتوصيف الأدق أن هناك تسامحا، وعلى وجه أدق، لا دليل على تحول التنظيم "كله" للعنف.

ما يمكن تأكيده أن تحول جسد الإخوان للإرهاب لم يحدث ويستعصي على الحصول، ولو ثبت تحرك مجموعات بداخل التنظيم سواء بقرار رسمي أو فردي، فهو لا يكفي لوصف كل المنتمين لها بالإرهاب، ويمكن بالتمثيل توضيح حماقة الواصف وكارثية ثبوته إن كان صوابا؛ فالتقديرات التي وضعت لأعداد المنتمين للقاعدة -قبل داعش- كانت عشرين ألف فرد وفقا للمخابرات الأميركية، أما تقدير أعداد الإخوان وفقا لتقدير جريدة الأهرام قبل ثورة يناير كان 750.000 فرد، فلو تحول هذا العدد للإرهاب فلن يكون هناك وطن، ولما نجح ما قام به السيسي؛ فالأرقام تقول إن عشرين ألفا صنعوا ضجيجا في الدنيا كلها، فكيف بمئات الآلاف من حملة السلاح، حينها سيكون ما يحدث في سيناء يشبه النزهة للمؤسسات الأمنية والعسكرية.

إن ما يعنينا نبذ العنف وترسيخ ذلك، وتصريح المتحدث الإعلامي للجماعة يحتاج إلى دعم، ولو حدث انحراف عن مسار السلمية، فترجمة البيان لواقع تقول إن هناك من ينتصح بعد مرحلة كان يُحتقر فيها المخالف ويسفّه، والرجوع محمود.

أما أسباب ذلك التغيير ستظل حبيسة عند أصحابها، إلى أن يُخرجوها، ولا يمكن الجزم بشيء وإن خرجت التكهنات أنه بسبب انحراف كما فعلت العقاب الثوري، أو التمهيد لعملية المصالحة، والتي طلب مرارا من الإخوان الإعلان بوضوح رفضهم العنف، أو غير ذلك مما يبقى محصورا في المعلومات لا التحليل والتكهن.

(مصر)

المساهمون